محمد الجندي شاب في العشرينات من عمره كان يحلم كما حلم غيره من أبناء مصر أن يرى مصر في وضع أفضل مما كانت عليه قبل الثورة، ساقه حظه العاثر للمرور فوق كوبري قصر النيل مساء الجمعة 25 يناير حيث تم القبض عليه ضمن من تم القبض عليهم نتيجة لأحداث تلك الليلة، وأرسل إلى قسم شرطة قصر النيل مع من أرسلوا، وكان يمكن لهذه الليلة أن تمر ويخرج كما خرج غيره من القسم، ولكن جريمته أنه رفض الإهانة من أحد ضباط القسم الذي أهانه وسبه بأمه، فرد عليه الإهانة (وفقا لرواية والدته في لقائها مع الإعلامي محمود سعد ببرنامجه). وكانت هذه هى جريمته الكبرى التي أرسل بموجبها إلى أحد معسكرات الأمن المركزي بالجبل الأصفر التي أصبحت على ما يبدوا مركزا جديدا للتعذيب بعيدا عن أعين القانون ورجال النيابة العامة (دون أن يسجل اسمه في سجلات القسم في الدخول إليه ولا في الخروج منه ولا في سجلات المعسكر) حيث تم الاحتفال به، ليفاجأ أهله ومن كانوا يبحثون عنه بوجوده بالعناية المركزة بمستشفى الهلال برمسيس يوم 31 يناير في حالة صحية خطيرة، ليؤكد مدير المستشفى الدكتور محمود المنشاوي وصول محمد الجندي مساء 28 يناير مصابا بطلق ناري في رأسه، وأن استجابته للعلاج بطيئة، وأنه في غيبوبة كاملة، ليعلن أحمد كامل، عضو المكتب التنفيذى للتيار الشعبى، خبر وفاة الشاب المصري محمد الجندى، عضو التيار، فى مستشفى الهلال صباح الاثنين 4 فبراير. محمد الجندي قبل أن يكون ناشطا سياسيا وعضوا بالتيار الشعبي المعارض هو مواطن مصري له حقوق ككل المصريين كفلها له الدستور في حالة القبض عليه في مادته "36" التي تنص على أن "كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته بأي قيد، تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه ولا حبسه إلا في أماكن لائقة إنسانيا وصحيا، وخاضعة للإشراف القضائي، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يُعاقب مرتكبها وفقا للقانون، وكل قول صدر تحت وطأة أي مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه". قد يرى البعض أن ماحدث للشاب المصري محمد الجندي مجرد حالة فردية يمكن أن تحدث في أي وقت وفي أي مكان، ولا تحتاج إلى كل هذا الاهتمام الإعلامي، وهو قول مغلوط يتنافى من نص المادة المذكورة من الدستور الذي وافق عليه الشعب، كما أن ما حدث يعيد إلى الأذهان مرة أخرى ما حدث مع خالد سعيد وسيد بلال بالإسكندرية على أيدي زبانية الداخلية، وكان قتلهما سببا من أسباب ثورة 25 يناير التي قامت لمواجهة قهر الداخلية الذي كانت تمارسه على كل من يسوقه حظه العاثر للوقوع تحت يديها لأي سبب، والتعذيب البشع التي كان يمارسه زبانيتها بعيدا عن القانون وتحت سمع وبصر قياداتها. إن ماحدث مع الشاب المصري محمد الجندي يؤكد أن لدى وزارة الداخلية قانون خاص بها لا يدرس في كليات الحقوق، وليس هو القانون الدستوري ولا الجنائي، يتم التعامل به مع من لا يروق لهم، حيث يتم القبض عليه وإرساله الى أحد المعسكرات التابعة لهم (دون أن يسجل اسمه في أي سجل) للاحتفال به على أيدي زبانية لم تصل الرحمة إلى قلوبهم، ثم يلقى به إلى الشارع أو يسلم الى أحد المستشفيات ليسجل على أنه حادث سيارة، وليظل الدستور المصري الذي وافق عليه الشعب حبرا على ورق يحفظ فقط على الأرفف ويدرس لطلبة الحقوق بالجامعات.