في سجلات حرب أكتوبر 1973 أبطال توارت سيرتهم وغاب ذكرهم رغم عظيم ما قدموه في الحرب، واحد من هؤلاء الذين يطلق عليهم "أبطال الظل" هو الدكتور محمود يوسف سعادة، لم يكن عسكريًا ولم يرتد البدلة العسكرية أو يشارك في الحرب ولو برصاصة واحدة، ولكنه بخبرته العلمية والأكاديمية استطاع التصدي للطيران الإسرائيلي، وساعد قوات الدفاع الجوي في إحكام السيطرة على سماء مصر. بدأت القصة حين اتخذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرارًا بطرد الخبراء السوفييت من مصر عام 1972، وكان السوفييت يشرفون على حائط الصواريخ المصري ويزودونه بالوقود، وبعد قرار الطرد تعنت السوفييت في تزويد مصر ب إطارات الطائرات وإمداد الطائرات بالوقود، وهو ما يعني عدم وجود دفاع جوي يسيطر على سماء مصر من طيران الجيش الإسرائيلي. عند هذا تأزم الموقف، وحاولت قيادة القوات المسلحة المصرية التغلب هذا الموقف، فقرار الحرب نفذ، والجنود على أهبة الاستعداد، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التراجع عن هذا القرار، توجهت القيادة آنذاك إلى القوات المسلحة لإيجاد حل لتلك المشكلة، لكن بدا أن القوات المسلحة لم يكن لديها حل لهذه المعضلة. حينها كان هناك اتجاه إلى الاستعانة بالعلماء المصريين والخبرات المدنية لعرض المشكلة، وكان هنا دور الدكتور محمود يوسف سعادة الاستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز القومي للبحوث، وفي كتابه جند من السماء حكى اللواء طيار محمد عكاشة تفاصيل هذه المشكلة قائلًا :" "وتقدم لهذه المهمة أحد المصريين وهو الدكتور محمود يوسف سعادة الذي انكب على الدراسة والبحث، فنجح في خلال شهر واحد من استخلاص 240 لتر وقود جديدا صالحا من الكمية المنتهية الصلاحية الموجودة بالمخازن". وواصل عكاشة " ما توصل إليه الدكتور محمود فك شفرة مكونات الوقود إلى عوامله الأساسية والنسب لكل عامل من هذه المكونات. وتم إجراء تجربة شحن صاروخ بهذا الوقود وإطلاقه ونجحت التجربة تماما، وكان لابد من استثمار هذا النجاح فتم تكليف أجهزة المخابرات العامة بإحضار زجاجة عينة من هذا الوقود من دولة أخرى غير روسيا، وبسرعة يتم إحضار العينة، كما تم استيراد المكونات كمواد كيماوية. وانقلب المركز القومي للبحوث بالتعاون مع القوات المسلحة إلى خلية نحل كانت تعمل 18 ساعة يوميا، ونجح أبناء مصر مدنيين وعسكريين الذين اشتركوا في هذا الجهد العظيم في إنتاج كمية كبيرة (45 طن) من وقود الصواريخ. وبهذا اصبح الدفاع الجوى المصري على أهبة الاستعداد لتنفيذ دوره المخطط له في عملية الهجوم". حاز الدكتور سعادة على جائزة الدولة التشجيعية تقديرًا لجهوده، وتوفي في عام 2011، ليكتب اسمه ضمن أبطال معركة حرب أكتوبر دون أن يطلق رصاصة واحدة أو يرتدي زيًا عسكريًا.