أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أن موجة الاضطراب العاتية التي ضربت الكثير من بلادنا العربية منذ 2011 تعبر عن حالة من الاغتراب غير المسبوق بين جيل الشباب، وتعكس وضعًا هو أقرب إلى الحرب بين الأجيال. وقال أبو الغيط" إن الشباب الذي كان وقودا للحركات الاحتجاجية، ثم الصراعات المروعة والدامية التي مزقت بعض الدول العربية، يغمره شعور بالغضب الشديد والرفض الكامل لكل ما يمثله الجيل الأكبر من قيم وأفكار ورؤى، إذ يشعر أبناء الجيل الجديد بأنهم محرومون من الفرص، ومجبرون على مواجهة أوضاع اقتصادية صعبة، ربما لم تواجهها الأجيال السابقة، وفي المقابل يشعر الجيل الأكبر بأن الشباب منعزلون عن مجتمعهم، رافضون لكثير من قيمه، عازفون عن الإسهام الحقيقي فيه، إذ يتطلعون إلى مكاسب ذاتية وسريعة من دون تعب كاف أو تضحيات حقيقية لصالح المجتمع. جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح الدورة (41) لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب الذي عقد اليوم برئاسة المهندس خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة بمقر الجامعة العربية . وأكد أن الحاجة تشتد في بلادنا العربية إلى مد جسور التفاهم والمصالحة بين الأجيال المختلفة، وذلك عبر حوار حقيقي بين ممثلي هذه الأجيال، شريطة أن يقوم هذا الحوار على أسس سليمة ومبادىء صحيحة من إدراك كل جيل لهواجس الأجيال الأخرى، وشواغلها، وقيمها ومفاهيمها، فمن دون ذلك الإدراك يصير الحوار نوعًا من التلقين من الجيل الأكبر إلى الجيل الأصغر، أو يصير حالة من الاتهام المستمر من الجيل الأصغر للأكبر، وهو ما لن يجدي نفعًا في تقريب الرؤى والوصول إلى اللغة المشتركة المنشودة. وقال إن تقاعسنا وتباطؤنا في تحقيق مثل هذا الحوار بين الأجيال سوف يُنتج مزيدًا من الاغتراب والتباعد بينها، وسيكون من شأنه توسيع الفجوة الجيلية بكل ما لهذا الأمر من تبعات خطيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي. وقال إنه لا يُمكن أن يتقدم مجتمع من المجتمعات أو تنهض أمة من الأمم من دون حدٍ أدنى من العلاقة الصحية بين الأجيال المختلفة ،مشيرا إلى أن هذه العلاقة وحدها هي التي تضمن أن يُزاوج المتجمع بين ما لدى الشباب من روح جديدة وأفكار إبداعية من ناحية، وما يحمله الجيل الأكبر من خبرة متراكمة من جانب آخر. وأضاف إن هذه المزاوجة هي ما تنتج التوازن الضروري لارتقاء المجتمعات بصورة مطردة، وفي الاتجاه السليم. وأوضح أننا أمام ظاهرة عالمية طاغية تتمثل في اتساع الفجوة وتعاظم الهوة بين الأجيال المختلفة داخل البلد الواحد وهي ظاهرة تشترك فيها المجتمعات المتقدمة والنامية بدرجات متفاوتة قائلا " لقد أدى التسارع المُذهل في وسائل الاتصال عبر الوسائط الرقمية المختلفة إلى بزوغ ما يُمكن تسميته باللغة العالمية المُشتركة بين جيل الشباب، خاصة ذلك الجيل الذي يُعرف بجيل الألفية، ويضم من تفتح وعيهم وتشكل وجدانهم مع بداية الألفية الثالثة، مؤكدا أن هذه اللغة المشتركة قد جعلت الشباب في أحيان كثيرة أقرب إلى بعضهم البعض – في الآمال والطموحات - عبر بلدان العالم، منهم إلى الجيل الأكبر من أبناء البلد الواحد. ونوه بالانقسامات التي تظهر في الثقافة كما في الاقتصاد والسياسة إذ يشعر أبناء الجيل الجديد أنهم ظلموا بالمقارنة بجيل الآباء والأجداد الذي توفرت له فرص عمل أفضل، وشبكات ضمان اجتماعي أكثر استقرارًا، في حين يُعاني أبناء جيل الألفية من البطالة وانعدام الاستقرار الوظيفي وانخفاض الأجور. وقال إن الكثير من المجتمعات المتقدمة يشكو من ارتفاع معدلات الإعالة في ظل اتجاه هياكلها السكانية إلى الشيخوخة وضعف مستويات الإنجاب، وهو ما يخلق أعباء أكبر على الشباب ويضعهم في ما يشبه المواجهة مع الجيل الأكبر من المسنين الذي يعيشون على الضمان الاجتماعي والمعاشات، ولاشك أن هذه الأوضاع الاقتصادية ستفرز نوعًا من التناقض بين الأجيال، ربما ينعكس في صورة توترات اجتماعية وسياسية. وأشار إلى أن المنطقة العربية لا تُعاني من هذه المشكلة، ذلك أن هياكلها السكانية وأوضاعها الديموغرافية تعكس اتساع قاعدة الشباب بصورة واضحة، موضحا إن ثلثي سكان العالم العربي تقل أعمارهم عن ثلاثين عامًا وهو ما يجعل مجتمعاتنا الأكثر شبابًا على مستوى العالم ومن شك في أن هذا الهرم السكاني النابض بالشباب والحيوية يولد فرصًا بلا حدود، ويطرح أمام بلادنا إمكانات كبيرة يتعين استغلالها وتوظيفها خلال السنوات الحالية، وقبل أن تُغلق هذه "النافذة الديموغرافية" النادرة. وأضاف إن هناك أكثر من 100 مليون شاب عربي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عامًا، وهو سن التعليم والعمل والإنتاج والإسهام في المجتمع، مؤكدا أن هؤلاء هم رهاننا الحقيقي، وفرصتنا الكبرى للحاق بالمستقبل. وشدد على أن الحكومات العربية ليست مطالبة فقط بتوفير الفرصة للشباب، تعليمًا وتدريبًا وإعدادًا لسوق العمل وإنما هي مطالبة كذلك بأن تُمكن الشباب من أن يكون مُشاركًا حقيقيًا في صناعة هذا المستقبل، وفاعلًا أصيلًا في وضع أولوياته والمفاضلة بين خياراته. وقال" إن مشاركة الشباب في صنع المستقبل حق وواجب، حق له وواجب على المجتمعات، ومن دون توفير آليات وقنوات لتفعيل هذه المشاركة فإن الشباب سينأى بنفسه عن الاهتمام بقضايا المجتمع، ويزداد ميله للانعزال والتمحور حول الذات وغني عن البيان ما لهذه الاتجاهات، إن ترسخت وتعمقت، من آثار خطيرة وتبعات بالغة السلبية على نهضة المجتمعات وقدرتها على إطلاق الطاقات الكامنة لدى أبنائها كافة". وأضاف" إن تجاوز الفجوة بين الأجيال، في الثقافة والقيم والنظرة إلى العالم، هو واحد من أخطر التحديات التي تواجه منطقتنا العربية".