اختتمت بالخرطوم ، أعمال المؤتمر الإقليمي لقارة أفريقيا لمنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو ) في دورته رقم 30 التي عقدت بالعاصمة السودانية خلال الفترة من 19-23 من فبراير الجاري، تحت شعار "التنمية المستدامة للنظم الزراعية والغذائية في أفريقيا بهدف تحسين وسائل الإنتاج وخلق فرص عمل لائقة للشباب"، بمشاركة عدد كبير من وزراء الزراعة والخبراء والمتخصصين في المجال الزراعي، والمنظمات الدولية العالمية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني . ومنظمة الأغذية والزراعة هي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة تقود الجهود الدولية للقضاء على الجوع، وهدفها هو تحقيق الأمن الغذائي للجميع والتأكد من أن البشر يحصلون بانتظام على ما يكفي من الغذاء عالي الجودة لقيادة حياة نشطة وصحية. وتعمل المنظمة في أكثر من 130 دولة على مستوى العالم مع أكثر من 194 دولة عضو، وتؤكد أن كل فرد يمكن أن يلعب دورا في إنهاء الجوع، و إيجاد عالم خال منه . وتعقد المنظمة مؤتمرات إقليمية دورية في مختلف مناطق العالم سعيا لتوحيد جهود مختلف الدول في تحقيق الأهداف المرجوة ، ويشهد عام 2018 الدورة 30 لمؤتمر أفريقيا والدورة 35 لمؤتمر أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي والدورة34 لمؤتمر آسيا والمحيط الهادي والدورة 34 لمؤتمر الشرق الأدنى والدورة 31 لمؤتمر أوروبا . وانعقد المؤتمر الإقليمي لأفريقيا على مستوى كبار المسئولين خلال الفترة من 19-21 فبراير الجاري، وعقد الاجتماع الوزاري والمائدة المستديرة الوزارية يومي 22و23 فبراير، واختار المشاركون مصر كمقرر للدورة الحالية والسودان رئيسا، كما قرروا انعقاد الدورة رقم 31 من المؤتمر الإقليمي في عام 2020 في دولة زيمبابوي التي أختيرت نائبا أول للرئيس . وشارك في المؤتمر 226 مندوبا يمثلون 51 دولة، من بينهم 43 من وزراء الزراعة ونوابهم ووكلاء الوزارات و15 سفيرا، و6 مراقبين، و8 من منظمات الأممالمتحدة و12 من منظمات المجتمع المدني وغير الحكومية و4 منظمات حكومية . وقاد وفد مصر المشارك في المؤتمر والاجتماع الوزاري، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الدكتور عبد المنعم البنا، وضم الوفد رئيس مركز البحوث الزراعية الدكتور محمود مدني، والمشرف على العلاقات الزراعية الخارجية بوزارة الزراعة الدكتور هشام علام، ومدير الإدارة العربية أحمد غنيم، والقائم بعمل السفير المصري كريم عصام الدين، ونائب رئيس البعثة المصرية هبة مصطفى، ومسئول مقر وزارة الزراعة بالسودان الدكتور محمد الهواري . وانعكست أهمية المؤتمر في مشاركة كل من النائب الأول للرئيس السوداني الفريق أول ركن بكري حسن صالح، ومساعد الرئيس فيصل حسن إبراهيم، ومدير عام منظمة الفاو جوزيه داسيلفا، وممثلة أمين عام الأممالمتحدة مارتا رويدس، بجانب مفوضة الاتحاد الأفريقي للاقتصاد الريفي والزراعة، وعدد كبير السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين بالخرطوم، والمسئولين التنفيذيين وممثلي جمعيات المجتمع المدني بالسودان. واستهدف المؤتمر التعرف على آخر التحديات والمسائل ذات الأولوية المتعلقة بالأغذية والزراعة، لتعزيز التماسك الإقليمي فيما يخص السياسات العالمية والقضايا السياسية، وكذلك تلاقي الآراء مع المنظمات الدولية ذات الصلة بالزراعة و الغذاء و التنمية المستدامة، وتفاعل المؤسسات المعنية بالتمويل علي المستويين الإقليمي والأممي. وناقش المؤتمر عدة قضايا تتعلق بالسياسات على المستويين الإقليمي والعالمي وتشمل : حالة الأغذية والزراعة في أفريقيا، وتغير المناخ وأثره على عمل منظمة الأغذية والزراعة وأنشطتها، وتعزيز فرص عمل الشباب في القطاعات الزراعية والريفية في أفريقيا، وتعميم التنوع البيولوجي في قطاعات الزراعة ومصايد الأسماك والغابات، نتائج عمل لجنة الأمن الغذائي العالمي وإجراءات المتابعة، والتقدم المحرز في برنامج العمل العالمي بشأن الأمن الغذائي في الدول الجزرية الصغيرة النامية . واستعرض المؤتمر عدة مسائل متعلقة بالبرنامج والميزانية وتتضمن : أولويات منظمة الأغذية والزراعة ونتائج عملها في أفريقيا، وشبكة المكاتب الإقليمية وجهود تعزيز عملها والارتقاء بها، بجانب قضايا أخرى تتعلق ببرنامج عمل المؤتمر الإقليمي لأفريقيا متعدد السنوات للفترة من 2016-2019 بهدف تعزيز دور المؤتمرات الإقليمية، وعمل قائمة بالموضوعات المقترحة للمؤتمر المقبل رقم 31 وتحديد موعد ومكان انعقاده . وأتاح المؤتمر فرصة للتعرف على إمكانيات الدول المشاركة، بهدف اعتماد رؤية كلية للقضاء على الجوع، وتعزيز الزراعة المستدامة، بجانب خلق فرص التوظيف للشباب في مجال الزراعة والقطاع الريفي في أفريقيا، كما وفر مساحة للتواصل حول قضايا وتحديات الإقليم المختلفة، ورفع ما تم التوصل إليه لمناقشته في الاجتماع المقبل لمنظمة "فاو" . وقدمت المائدة المستديرة الوزارية معلومات معمقة عن تحدي القضاء على الجوع، كما تم الاحتفال بمرور 40 عاما على إنشاء الممثليات القطرية لمنظمة الفاو، واعتمدت الاجتماعات البرامج الخاصة بتحقيق الحفاظ على استدامة الموارد البحرية والنهرية ومعالجة القصور في استخدامات وتطبيقات نظم سلامة الغذاء بإفريقيا، وناقشت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 لتحقيق النمو الزراعي المستدام والتحول الريفي في أفريقيا، كذلك الإجراءات المشتركة التي اتخذتها المنظمة وشركاؤها في مجالات مختلفة بهدف القضاء على الجوع بحلول عام 2025 بجانب الوقوف على آخر التحديات المتعلقة بالأغذية والزراعة، لتعزيز الترابط الإقليمي فيما يخص السياسات العالمية والقضايا السياسية. وأصدر المشاركون في المؤتمر ختاما لمداولاتهم، بيان الخرطوم، الذي تضمن أهم التوصيات والتوجيهات التي تمثل برنامج عمل للمنظمة ومكتبها الإقليمي خلال العامين المقبلين، حيث أكدوا إشادتهم على ما قدمته منظمة الفاو من دعم ومساهمة لبلوغ الأولويات الإنمائية، مشددين على أن سكان أفريقيا يستحقون التمتع بمستوى معيشة لائق ونوعية حياة جيدة وصحة سليمة ورفاه . وأشار المشاركون إلى أهمية اتباع نهج شامل قائم على نظم الأغذية لمعالجة عبء سوء التغذية، وضرورة معالجة قضايا النزاعات والأمن والسلام وتغير المناخ، منوهين إلى أوجه الاتساق والروابط القائمة بين خطة عام 2030 وإعلان مالابو، فيما يتعلق بالمسائل ذات الصلة بالحد من الفقر، والتنمية الزراعية والأمن الغذائي والتغذوي. وأكدت الدول المشاركة التزامها بوضع سياسات مواتية وحشد الموارد لتسريع وتيرة تطبيق نظم مستدامة للأغذية والزراعة، وكذلك زيادة الإنتاجية الزراعية بتطبيق التكنولوجيا، واعتماد سياسات وبرامج لزيادة الاستثمارات لتحديث القطاع الزراعي، وتشجيع الفرص المجدية والمجزية للعمل وتنظيم المشاريع للشباب والنساء والرجال في الأنشطة الريفية، بجانب تهيئة بيئة تمكينية للأعمال التجارية لزيادة إشراك القطاع الخاص، وتوطيد التعاون والتنسيق صوب تعميم التنوع البيولوجي في قطاعات الزراعة والغابات ومصايد الأسماك . وأعرب أمين عام الأممالمتحدة أنطونيو جوتيريس - في كلمته أمام المؤتمر التي تلتها نيابة عنه ممثلته مارتا رويدس- عن قلقه من زيادة معدلات عدم الأمن الغذائي في أفريقيا ،منوها إلى أهمية إدخال أهداف التنمية المستدامة في إطار البرنامج الغذائي بقارة أفريقيا. وقال إن الصراعات وتغير المناخ يضعان ضغوطا كبيرة على القاعدة من الشعوب، والعديد من الشباب والنساء والأطفال لا يستطيعون سد احتياجاتهم من الغذاء، مشددا على أهمية القطاع الزراعي لسد الفجوة الغذائية . وأكد جوتيريس، على أهمية العمل على التوسع في الاستثمارات الجديدة وزيادة الإنتاجية، لأن ذلك هو السبيل لتوفير المزيد من فرص العمل اللائقة للشباب، منوها إلى أن الأممالمتحدة تقوم بإصلاحات وبرامج مهمة على مستوى العالم في هذا الصدد ، مبرزا أن المنظمة الدولية بدأت شراكة مع الاتحاد الأفريقي لتنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030 وكذلك استراتيجية أفريقيا 2063 . من جانبه، أكد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأم المتحدة، جوزيه غرازيانو دا سيلفا، على أن الزراعة ستستمر في توليد فرص العمل في أفريقيا خلال العقود المقبلة، إلا أنه يجب استكشاف الفرص في مجالات تتعدى الزراعة عبر سلاسل إمدادات الغذاء لاستحداث الوظائف للشباب خاصة الذين يعيشون في المناطق الريفية. وقال دا سيلفا " إن على الدول أن تشجع التحول الريفي والهيكلي الذي يجمع ما بين النشاطات الزراعية وغير الزراعية التي تقوي الروابط بين المناطق الريفية والمدن، ويشمل ذلك عمليات معالجة وتعبئة ونقل وتوزيع وتسويق الغذاء وتقديم الخدمات، خاصة الخدمات المالية وخدمات الأعمال ". وتابع "تشير التقديرات إلى أنه يجب استحداث ما يصل إلى 12 مليون وظيفة جديدة كل عام لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل خلال العشرين عامًا المقبلة، وفي الوقت الحالي تعتمد 54 في المائة من القوة العاملة في أفريقيا على القطاع الزراعي للحصول على سبل المعيشة والدخل والتوظيف خاصة في الأسر الزراعية". وقال المدير العام للفاو "أصبح إقامة الشراكات الاستراتيجية مهمًا الآن أكثر من أي وقت مضى لتجمع ما بين الاتحاد الأفريقي وبنك التنمية الإفريقية ونظام الأممالمتحدة وغيرهم من شركاء التنمية". وتابع "لا يزال هدف القضاء على الجوع على رأس أولويات الفاو، وهو هدف تشترك فيه مع القادة الأفارقة الذين التزموا من خلال إعلان مالابو بالقضاء على نقص التغذية المزمن في القارة الأفريقية بحلول عام 2025. وفي دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعاني شخص واحد تقريبًا من بين كل أربعة من نقص التغذية". وأكد دا سيلفا، على أنه تحقيقًا للهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، فإن القضاء على الجوع يحتاج إلى أن يسير جنبًا إلى جنب مع القضاء على جميع أشكال نقص التغذية والتي تنعكس في آفة زيادة الوزن والبدانة المنتشرة حاليًا في العالم. وقال "الوضع في أفريقيا هنا مقلق"، مستشهدًا بتقديرات منظمة الصحة العالمية بأن الأمراض المرتبطة بالبدانة قد تصبح القاتل الأكبر في أفريقيا بحلول عام 2030. وبدوره، أكد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الدكتور عبد المنعم البنا - في كلمة مصر التي ألقاها أمام المؤتمر الوزاري- أن مصر أطلقت استراتيجية للتنمية المستدامة مدتها 15 عاما -رؤية مصر 2030 - تتطلع فيها إلى مستقبل يتحقق فيه اقتصادا تنافسيا متوازنا ومتنوعا، يضمن العدالة الاجتماعية وتحسين سبل المعيشة للمصريين . وقال البنا " إنه في إطار هذه الرؤية تبنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي استراتيجية استهدفت من خلالها تحقيق نهضة زراعية شاملة لمصر الجديدة بحلول عام 2030، قادرة على النمو السريع المستدام، ومعتمدة على الابتكار وتكثيف المعرفة، آخذة على عاتقها خلق بيئة زراعية لتشجيع الاستثمارات وترشيد استخدام الموارد الزراعية". وأضاف أنه لتحقيق هذه الرؤية وضعت وزارة الزراعة نصب عينيها تحقيق عدة أهداف، تتمثل في إصلاح الأطر التشريعية وتحقيق الترابط والتنسيق بين الأهداف القومية وتوجهات القطاع الخاص في مجال استثمار الموارد الزراعية، وتهيئة مناخ الاستثمار الزراعي واستغلال كافة الإمكانات المتاحة، وتعظيم الاستفادة من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لصالح الزراعة والمزارعين، وتدعيم قدرات صغار المزارعين وتحسين دخولهم، بالإضافة إلى زيادة قدرة القطاع الزراعي على خلق فرص العمل وتعزيز مساهماته في تحسين الميزان التجاري . وأكد الوزير أنه من المتوقع أن يؤدي تنفيذ خطة التنمية الزراعية المصرية إلى زيادة إمكانيات النمو للقطاع الزراعي وتوليد عدد كبير من فرص العمل للشباب وتحقيق مكاسب إنتاجية كبيرة، من خلال العمل الدؤب على إنجاز تلك الأهداف والتعاون الإقليمي والدعم الفني لمنظمة الأغذية والزراعة، مشددا على ترحيب مصر بالتعاون في معالجة قضايا الأمن الغذائي والتغذية المستدامة . وأشار البنا إلى أن مصر من الدول التي تتأثر بشدة من التغيرات المتوقعة للمناخ خاصة في المجال الزراعي، والتي تحتاج إلى تضافر كافة الجهود الإقليمية للحد من تلك الآثار . وقال إنه يتطلع إلى دور منظمة الأغذية والزراعة المحوري في جعل قطاع الزراعة أكثر جذبا للشباب، وجعل المنتج الزراعي أكثر منافسة وقادرا على تحقيق عائد مجزي ماليا واجتماعيا . وأوضح وزير الزراعة، أن رؤية مصر هي تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة قائمة على قطاع زراعي ديناميكي قادر على النمو السريع المستدام، ويعنى بوجه خاص بمساعدة الفئات الأكثر احتياجا والحد من الفقر الريفي من خلال زيادة الإنتاجية لوحدتي الأرض والمياه لكافة المحاصيل، الأمر الذي يؤدي إلى المساهمة في توفير الأمن الغذائي للمجتمعات الريفية، والمساعدة على رفع مستوى معيشة الأفراد وتحقيق دخل مستدام لهم . وأكد تطلعه إلى التعاون مع منظمة الفاو في تنفيذ العديد من الأنشطة التدريبية في الممارسات الزراعية الجيدة، ونظم الري الحديثة وتقنيات إدارة المياه وإنتاج السماد العضوي، وإدارة الصوب، والتعامل المتكامل مع الآفات وتنمية المرأة الريفية وغيرها.