تستضيف باريس اليوم اجتماعا لوزراء دفاع مجموعة دول الساحل والدول المانحة، برئاسة وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، بهدف إحراز تقدم في تشكيل القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس على الصعيد العملياتي والعسكري وتعبئة المجتمع الدولي لتقديم كافة أوجه المساعدة لهذه القوة. كما يناقش هذا الاجتماع إمكانيات توسيع نطاق عمل القوة المشتركة بهدف القضاء على الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل مثل داعش وبوكو حرام وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وذلك في أعقاب إعادة انتشار العديد من مقاتلي داعش القادمين من سوريا والعراق في أفريقيا عن طريق ليبيا. وتضم هذه القوة جنودا ينتمون إلى دول الساحل الخمس، وهي مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا، وهي قوة من المقرر أن يصل قوامها إلى 5000 رجل بحلول ربيع 2018، ولديها حتى الآن مقر قيادة في سيفاري بمالي. وأعلن عن إنشاء هذه القوة الإقليمية المشتركة خلال قمة دول الساحل التي عقدت في يوليو الماضي بالعاصمة المالية باماكو، وحضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتهدف القوة إلى مكافحة الهجمات الجهادية التي تستهدف مالي والدول المجاورة، وملاحقة منفذيها عبر الحدود. وتنتشر هذه القوة في البداية على حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر لتنضمّ في وقت لاحق إلى قوة برخان الفرنسية التي تطارد الجهاديين في دول الساحل، وبعثة الأممالمتحدة في مالي "مينوسما" التي أنشأها مجلس الأمن عام 2013 لتحقيق الاستقرار في مالي. ووفقا للمراقبين، فإن تشكيل هذه القوة المشتركة يشكل أساسا لاستراتيجية خروج القوات الفرنسية من المنطقة. وقامت هذه القوة في الفترة الأخيرة بأول عملية في منطقة "الحدود الثلاثة" بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وكشفت هذه العملية عن وجود بعض الصعوبات أمام القوة سواء في التنسيق أو التواصل بين مختلف الجيوش، فضلا عن نقص في العديد من اللوجستيات نتيجة عدم وجود تمويل كاف. في ضوء ذلك، يحظى اجتماع اليوم بأهمية ملحوظة حيث يمثل التمويل عائقا كبيرا أمام تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة للتصدي للإرهابيين ومباشرة هذه القوة مهامها، خاصة في ظل تزايد الخطر المتمثل في جماعات إرهابية بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة والآخر بتنظيم داعش، وحصلت القوة المشتركة للمجموعة حتى الآن على 294 مليون يورو من أصل 423 مليون يورو كموازنة افتراضية لمكافحة الإرهاب، ومن المقرر أن تستضيف بروكسل في 23 فبراير المقبل قمة لتعزيز عدد المانحين لهذه القوة العسكرية المشتركة. يأتي اجتماع اليوم بعد شهر من انعقاد قمة باريس التي دعا إليها الرئيس ماكرون لتعزيز التعبئة الدولية حول دول الساحل الخمس وتم الإعلان خلالها عن مساهمة السعودية ب100 مليون دولار إلى جانب مساهمة الإمارات ب 30 مليون دولار لتعزيز جهود التصدي للجهاديين،بالإضافة إلى مساهمة الاتحاد الأوروبي 50 مليون دولار وتقديم الولاياتالمتحدةالأمريكية 60 مليون دولار في صورة تعاون ثنائي لصالح الدول الخمس المعنية، كما تعهدت ألمانيا ممثلة بالمستشارة أنجيلا ميركل بأنها ستقدم "مساهمة كبيرة" ممثلة في تجهيزات وبنى تحتي، بالإضافة إلى الدعم الفرنسي المتمثل في مساندة قوية على الصعيد الدولي ودعم لوجيستي يتجسد في 70 عربة ودعم على الصعيد الميداني، وهو ما قدره الرئيس الفرنسي بما قيمته 8 ملايين يورو. وكانت الدول الخمس قد قررت الأسبوع الماضي تأسيس صندوق ائتماني يتولى مهمة إدارة الأموال التي ستقدمها الجهات الدولية لدعم هذه القوة العسكرية المشتركة، وتم الاتفاق بين الدول الخمس على شكل وهيكلة الصندوق الائتماني الذي سيضم هيئتين هما "هيئة دعم" و"هيئة مراقبة"، لضمان الإدارة الجيدة والشفافة للأموال وتعزيز نجاح مهمة مكافحة انعدام الأمن في منطقة الساحل. وتأتي جهود دول الساحل الخمس لتشكيل قوة عسكرية مشتركة متوازية مع تصاعد العمليات الإرهابية في مالي عبر سلسلة هجمات استهدفت في فترات متقاربة، القوات الأممية والفرنسية والأفريقية والجيش الحكومي المالي، فقد تبنت جماعة الجهادي "عدنان أبو وليد الصحرواي" التي بايعت تنظيم داعش، سلسلة هجمات في منطقة الساحل خصوصا ضد عسكريين فرنسيين وأمريكيين، من بينها الهجوم على مجموعة كومندوس الأمريكية في أكتوبر الماضي بالنيجر في منطقة تونغو تونغو، والهجوم الذي استهدف قوة برخان الفرنسية في مالي الخميس الماضي. وأعلنت هذه الجماعة التي تطلق على نفسها اسم "الجماعة الإسلامية في الصحراء الكبرى" السبت الماضي أن جميع الجهاديين في منطقة الساحل سيتحدون للقتال ضد قوة مجموعة الدول الخمس، مؤكدة أن الجماعة ستبذل كل ما في وسعها حتى لا يتم إنشاء هذه القوة المشتركة. وعلى الرغم من تشتت الجماعات الجهادية وطرد جزء كبير منهم من شمال مالي منذ 2013 وتوقيع اتفاق للسلام في 2015، ما زالت مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وتلك التابعة للأمم المتحدة التي تستهدفها كلها من حين لآخر بهجمات، وهو ما يعكس خطورة الأوضاع وأهمية تعزيز الأمن في هذه المنطقة والإسراع بعمل قوة مجموعة الساحل.