منذ عدة أسابيع شنت الطائرات الحربية التابعة للقوات الأمريكية العاملة في إفريقيا «أفريكوم» عدة طلعات جوية استهدفت معسكرًا لحركة "شباب المجاهدين" الصومالية، أحد الأفرع الرئيسية لتنظيم القاعدة في شرق أفريقيا، وذلك على بعد 200 كيلو متر شمال غرب العاصمة مقديشو، أسفرت –بحسب تقارير وزارة الدفاع الأمريكية- عن مقتل 100 من عناصر الحركة، في الوقت الذي يسعى فيه التنظيم إلى تعزيز نفوذه داخل الصومال، من خلال شن العديد من الهجمات الإرهابية والانتشار في مناطق جديدة، ما يوحي بأن هذا البلد العربي الفقير الذي مزقته الحرب، سوف يدخل جولة جديدة من التمزق خلال الفترة المقبلة. وتيرة متصاعدة الضربات الأمريكية ضد مواقع حركة «شباب المجاهدين» تصاعدت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، وذلك بعد أن خفف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قواعد الاشتباك في مارس 2017، وأشارت تقارير عديدة في 12 ديسمبر 2017، إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» قدمت إلى البيت الأبيض خطة عملية تكشف أن مواجهة التنظيمات المتطرفة، ولا سيما حركة «شباب المجاهدين» سوف تستغرق عامين، وذلك في إطار القواعد الجديدة التي وضعها الرئيس ترامب في أكتوبر 2017، من أجل مكافحة التنظيمات الإرهابية خارج المناطق التقليدية. اللافت في هذا السياق، هو أن تلك الضربات العسكرية، التي وصلت إلى نحو 30 ضربة خلال عام 2017، لم تعد تقتصر على الغارات الجوية فقط، مثل الضربة الجوية المزدوجة التي شنت في 12 نوفمبر الماضي ضد معقل الحركة في منطقة شبيلي غرب مقديشيو، ما أدى إلى مقتل العديد من عناصرها، حيث استندت واشنطن إلى آليات عديدة في مواجهتها مع الحركة، يتمثل أبرزها في: 1- التعاون الأمني: اتجهت الولاياتالمتحدة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني مع الحكومة الصومالية، من خلال تبادل المعلومات حول مواقع الحركة وأعضائها داخل الصومال وخارجها، ويبدو أن ذلك ساهم في نجاح قوات مداهمة مشتركة أمريكية وصومالية في القبض على أحد أعضاء الحركة كان يملك إقامة في الولاياتالمتحدة، في 26 يوليو 2017. 2- تقديم الخبرات والاستشارات: كشفت تقارير عديدة عن أن ما بين 50 إلى 100 أخصائي من القوات الخاصة الأمريكية يقدمون استشارات للقوات الأمنية الصومالية، إلى جانب تدريب بعض الكوادر على جمع البيانات والمعلومات، حيث تسعى الولاياتالمتحدة من خلال ذلك إلى رفع كفاءة المؤسسات الأمنية الصومالية في مواجهة الحركة. 3- استهداف القيادات: ركزت الضربات الأمريكية، خاصة تلك تشنها الطائرات من دون طيار، على استهداف قادة وكوادر الحركة، لا سيما في إقليمي شبيلي السفلي وجوبا السفلي بجنوب الصومال، بهدف تقليص قدرتها على القيام بعمليات إرهابية نوعية، وهو ما كان له دور بارز في مقتل عدد من القيادات الفاعلة في الحركة، كان من أهمهم عبد الرحمن حذيفي، مسؤول الدعوة بالحركة، في بداية سبتمبر 2017، وهو ما فرض تداعيات قوية على الحركة، في ظل النفوذ الذي كان يحظى به حذيفي، حيث تولى مناصب بارزة داخلها، على غرار والي الحركة بإقليم جوبا السفلي، قبل أن يتم تعيينه مسؤول الدعوة فيها. 4- الاستعداد لانسحاب القوات الإفريقية: أشار رئيس بعثة قوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال فرانسيسكو ماديرا، في 6 ديسمبر الجاري، إلى أن الاتحاد الإفريقي يستعد لتقليص عدد هذه القوات، الذي يبلغ نحو 22 ألف جندي، في إطار خطة طويلة الأجل للانسحاب من الصومال وتسليم مهمة حفظ الأمن للقوات الحكومية، وهو ما اعتبر أنه يمكن أن يفرض تهديدات مباشرة لحالة الأمن والاستقرار في الدولة، خاصة أن حركة «الشباب» سوف تسعى إلى استغلال ذلك من أجل تكريس نفوذها داخل بعض المناطق. وفي هذا السياق، قال ماديرا: «إنه ما لم يجري توفير دعم إضافي فيما يتعلق بالعتاد سيكون لهذا الانسحاب تأثير كبير جدًا على مهمتنا، ونحن نعتقد أن الأممالمتحدة ستجد الوسائل اللازمة لتغطية، أو تعويض الفجوة التي قد تنتج عن ذلك». أهداف مختلفة تسعى الولاياتالمتحدة من خلال استهداف حركة «شباب المجاهدين» إلى تحقيق أهداف عديدة يمكن تناولها على النحو التالي: 1- حماية المصالح: تحاول واشنطن عبر تلك الضربات تقليص قدرة الحركة على استهداف مصالحها أو مواطنيها، خاصة في ظل اهتمام الحركة بذلك، حيث تعمدت التركيز على فكرة استهداف المصالح الأمريكية كآلية لاستقطاب عدد من الإرهابيين المؤيدين لتوجهاتها، وقد حذرت واشنطن بالفعل، في نوفمبر 2017، من وجود تهديدات لطاقمها الدبلوماسي في مقديشو وأمرت العاملين غير الضروريين بمغادرتها. 2- محاصرة «القاعدة»: ربما تؤشر تلك الضربات إلى بداية تركيز الولاياتالمتحدة على تقليص نفوذ تنظيم «القاعدة» من جديد من أجل منعه من استغلال تراجع نفوذ تنظيم «داعش»، بعد الهزائم التي تعرض لها في المناطق التي سيطر عليها في الأعوام الأخيرة داخل كل من العراق وسوريا. 3- توسيع الانشقاقات داخل الحركة: قد يساهم تصاعد الاستهداف الأمريكي لمواقع وقيادات الحركة في توسيع نطاق الانشقاقات الداخلية، وهي الظاهرة التي برزت بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة، حيث أعلنت قيادات بارزة داخل الحركة انشقاقها، مثل مختار روبو الذي يلقب ب«أبو منصور»، وكان يتولى قبل إعلان خروجه من الحركة في 13 أغسطس 2017، منصب الناطق باسمها ونائب قائدها منذ عام 2013، وقد كشفت تقارير عديدة عن أنه بدأ في التعاون مع القوات الحكومية في مواجهاتها مع الحركة. وفي النهاية، ربما يمكن القول إن مرحلة جديدة من الحرب ضد الإرهاب سوف تبدأ في الصومال، بعد أن تحول الاهتمام الأمريكي نحو مواجهة التنظيمات الإرهابية التي قد تسعى إلى استغلال تراجع تنظيم «داعش» سواء من خلال ملء الفراغ في المناطق التي ينسحب منها أو استقطاب العناصر الموالية له داخل تلك المناطق.