عندما نتحدث عن الانتحار فاعلم أن أسبابه تتعدد ووسائله تتجدد، وأسبابه قد تكون اليأس، الفقر، الجهل، الظلم أو الحزن. لذا يجب معالجة هذه الظاهرة من جميع جوانبها وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية والدينية وغير ذلك، فالمنتحر شخص أغلقت أبواب السعادة والأمل فى وجه وفى لحظة فقد عقله غير مسكر، لم يكن لديه من الوعى والوازع الدينى والأخلاقى ما يكفى لإحباط هذه الفكرة التى سيطرت عليه ولم يجد من يحنو عليه، فشرع فى التفكير فى الانتحار بل وبدأ فى تنفيذه، فهل كان يظن أنه بذلك سيذهب إلى جنة الخلد، هل كان يعتقد أنه بنهاية حياته بهذا الشكل تنتهى المتاعب والمصائب؟ أولا: حكم الشرع فى الانتحار قال العلماء إن الانتحار من عظائم الذنوب وكبائرها التي من ارتكبها فقد استحق الخلود في نار جهنم، كما قال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا* ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرا"، "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ"، فلا يجوز الإقدام على قتل النفس (الانتحار) بأي سبب من الأسباب لقوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًا فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها". وعذاب صاحبه يكون بنفس الوسيلة التي تم بها الانتحار، يضاف إليها دخوله جهنم والعياذ بالله، هذا وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اليأس والقنوط، وأخبر أن ذلك من صفات الكافرين فقال: "يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" [يوسف:87]، وقال تعالى على لسان خليله إبراهيم: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:56]. والحاصل أن الإقدام على الانتحار أمر فظيع وعواقبه وخيمة، مهما كانت المشاكل الدافعة إليه، فعظموا رجاءكم بالله وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجددوا صلتكم بالله وأكثروا من الطاعات والجأوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء وأن يحبب إليكم الإيمان وأن يزينه فى قلوبكم، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". وفرصة لا يمكن تعويضها فاغتنموها في العمل الصالح حيث به تحيون حياة كريمة كما قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [النحل:97]. حكم الانتحار فى القانون وإذا كان الإنتحار في حد ذاته لا يعتبر جريمة قانونية يعاقب عليها القانون فاعلها، إذ إن المنتحر بات في رحاب الله الذي يملك وحده معاقبته وحسابه، فإذا كان ذلك كذلك وكان اانتحار لا يعتبر جريمة، فإن الشروع فيه من باب أولى لا يكون جريمة. وبالرغم من ذلك فقد كان القانون الفرنسى القديم يسبغ إنزال العقاب بجثة المنتحر، فضلا عن مصادرة أمواله، وهو أمر آثار حفيظة الفلاسفة، فهو من ناحية يتجرد من الأثر الرادع للجزاءء الجنائى لأنه ينزل بجثة تعجز تماما عن الإدراك، كما أنه من ناحية أخرى يصيب أسرته بأفدح الضرر، حيث يُسلب منها مورد رزقها، وقد حمل ذلك مشروع الثورة الفرنسية على إلغائه تماما، وأغلب الآراء أن اانتحار لا يمكن أن يُجرم، ذلك أن التجريم أمر لا يمكن أن يحدث أبدا بعدما أصبح المنتحر في ذمة الله تعالى. وبالرغم من أن الانتحار لا يمكن أن يجرم وبالتالي لا يجرم الشروع فيه، إلا أن بعض التشريعات ذهبت إلى تجريمه والعقاب عليه كالقانون الإيطالى والإنجليزى والسويسرى وقوانين بعض الولاياتالأمريكية والهندي والسودانى. من جانبنا، فإننا لا نتفق مع هذه التشريعات على تجريم الشروع في الانتحار لأن تجريم الشروع في الانتحار يؤدى إلى نتائج سلبية وغير منطقية، إذ الغالب أن المنتحر يعانى من مشاكل صعبة وظروف قاسية إلى درجة أنه وصل به تفكيره إلى أنه لا مهرب من حل تلك المشاكل والأزمات إلا بالانتحار وترك هذه الحياة الدنيا. فإذا ما جرمنا الشروع وحاولنا معاقبة الشارع في اانتحار، فإننا نكون أضفنا إلى همومه وآلامه هما وألما جديدا، قد يدفعه إلي التفكير مرة أخرى في الانتحار، أما إذا لم يجرم الشروع فإن الظروف قد تتحسن لدى الشارع في الانتحار وقد يتبدل الهم بالنشوى والمصائب بالمسرات فتتفتح الحياة في عينيه وتخضر، وقد يدفعه ذلك إلى استغلال طاقاته وإمكانياته ولربما أفاد بعد ذلك البشرية نتيجة نبوغه وقدراته.