رغم تكرار ظاهرة هروب لاعبي كرة القدم، خاصة الشباب، إلى خارج مصر، بسبب القيود التي تضعها أنديتهم عليهم، وترفض احترافهم بالخارج، وتظل تحبسهم بين جدرانها، دون أن يحصلوا من هذا النادي على أى مقابل مغر، حتى يفاجأ النادي بين ليلة وضحاها بأن اللاعب ترك النادي وسافر وتعاقد مع أحد الأندية الأوروبية، وبدأ يلعب ضمن صفوفها، وحيئنذ يبدأ النادي في التحرك والصراخ بسبب هروب لاعبه، ويبدأ في مطاردته من أجل الحصول عل حقوق الرعاية، وكان من باب أولى أن يقوم هذا النادي بتسويق لاعبيه الشباب المميزين، وأن يقوم النادي من خلال إدارة خاصة بعرض تلك المواهب الكروية على الأندية الأوروبية والاستفادة بالمقابل المادي الذي يمكنها أن تحصل عليه، بالإضافة إلى وضع شروط عودة اللاعب إليها عقب انتهاء تجربة احترافه. ولقد شهدت السنوات القليلة الماضية العديد من حالات هروب لاعبي كرة القدم صغار السن، ورغم أنها قد تحولت إلى ظاهرة، إلا أننا لم نسمع أن اتحاد الكرة وضع قواعد لعدم تكرار تلك المحاولات، وحتى الأندية، باستثناء النادي الاهلى الذي نظم عقودًا مع اللاعبين المميزين بعد هروب احمد حسن كوكا للبرتغال، وتبعه الزمالك ثم باقي الأندية، إلا أن تلك العقود لا يمكن أن تحد من تلك الظاهرة، وتلك الظاهرة يقف خلفها وكلاء للاعبين وسماسرة وأولياء أمور اللاعبين أنفسهم، والذين يجدون في المقابل المادي الذي يحصل عليه ابنهم مغريا، وأمر لا يمكن رفضه. ويتحمل هروب اللاعبين إلى أوروبا ودول أخرى، النظام الأعوج للاحتراف الذي بدأ تطبيقه عام 1990، والذي تم تطبيقه كنظام احتراف ناقص، لا هو بالاحتراف المتعارف عليه، ولا كنظام الهواية الذي كان مطبق من قبل، خاصة أن الاحتراف لدينا نظام مملوء بالثغرات، التي تمكن للسماسرة ولوكلاء اللاعبين الفاسدين من استخدامها ضد الأندية ويكون بابا خلفيا للهروب.
بدأت ظاهرة هروب لاعبي مصر في السبعينيات عندما كان كل لاعبي مصر من الهواة في ظل اللوائح القديمة، وكان الهروب قديما إلى بطولات الشركات في منطقة الخليج، ووقتها كانت هناك فرق شركات في الإمارات وقطر والكويت تشرك لاعبين بدون الحصول على استغناء من أنديتهم، وكانت هذه الشركات فرصة للاعبين المصريين للعب بها وكثيرا ما كان يلجأ لها اللاعبون الذين يتم إيقافهم لفترات طويلة تصل إلى ستة أشهر أو سنة. وكان أسامة خليل، لاعب الإسماعيلي ومنتخب مصر في السبعينيات، أول الهاربين الي أمريكا للاحتراف في نادي لوس أنجلوس، حيث ترك مصر بعد مباراة دولية لمنتخب مصر أمام كينيا وسافر إلى أمريكا، حيث لعب هناك حتى عودته قبيل الاعتزال. وأعقبه في الهروب فاروق جعفر الذي كان أحد نجوم الزمالك ومنتخب مصر، حيث هرب وقتها بطريقة تشبه هروب عصام الحضري مؤخرا ولعب في أمريكا لنادي كوزموس في دوري أمريكا لفترة حتى عاد مرة أخرى إلى نادي الزمالك واعتزل فيه أيضا. وكان من أشهر حالات هروب الناشئين محمد اليماني الذي كان من ناشئي الإسماعيلي وهرب إلى بلجيكا للاحتراف في نادي ستاندرليج البلجيكي وانتقل هناك إلى أندية أخرى مثل جنت، وكان وقتها ضمن صفوف منتخب مصر للشباب الحاصل على برونزية كأس الأمم الأفريقية في إثيوبيا عام 2001 ثم برونزية كأس العالم للشباب في نفس العام. وأعقبه هروب أحمد حسام "ميدو" الذي كان بين ناشئي الزمالك إلي بلجيكا، حيث بدأ اللعب في نادي لاجنتواز البلجيكي دون الحصول على استغناء من الزمالك، وانتظر الزمالك لأكثر من عامين حتى حصل على حق رعاية اللاعب بعد قرار الاتحاد الدولي الجديد وقتها بأحقية النادي الذي ينتقل منه لاعب في رحلة سنية أقل من 18 سنة في حق الرعاية وتنشأة اللاعب. ومن بين ظواهر هروب اللاعبين الكبار، إبراهيم سعيد الذي كان يلعب في الأهلي وقتها، حيث انتهز فرصة انضمامه لمنتخب مصر للعب في مباراة ناميبيا في تصفيات كأس العالم 2001، وهرب وقتها إلى انجلترا للاختبار في انجلترا في نادي ايفرتون، ولكنه عاد بخفي حنين دون توقيع عقد وتم إيقافه وقتها في الأهلي. ثم كان محمد شوقي، لاعب الأهلي، الذي هرب في توقيت حساس جدا قبل لقاء الأهلي والمصري في القاهرة في موسم 2004/2005، وكان الأهلي وقتها قد حقق 21 فوزا متتاليا في الدوري وحقق التعادل السلبي لأول مرة في ذلك الموسم وعاد شوقي بعدها بأيام ليتم إيقافه وتوقيع غرامة عليه من جانب الأهلي. ومن بين حالات الهروب التاريخية، أيمن عبد العزيز، لاعب الزمالك، الذي اضطر للبقاء في تركيا طوال مدة الفترة لظروف التجنيد، حيث إنه هارب أيضا من أداء الواجب الوطني ولا يستطيع الدخول إلى مصر والخروج مرة أخرى لذلك لم ينضم مطلقا لمنتخب مصر. وجاءت حالة عصام الحضري الأخيرة كأكثر الحالات غرابة في ظل الظروف المالية للاعب وحفلات التكريم، وبعد كل هذا العطاء الطويل مع الأهلي، هرب فجأة ليفتح القضية من جديد. وفي هذا الوقت لم يكن هناك شرط للحصول على الاستغناء للعب في أي مكان، نظرا لأن كل لاعبي مصر كانوا من الهواة ولم يكن هناك عقود رسمية يمكن للنادي الاستناد إليها لإعادة اللاعب. وفى إطار هروب اللاعبين الشبان في الاسماعيلى، كان هروب جمال حسنين، لاعب فريق الاسماعيلى تحت 20 سنة، للكويت للمرة الثانية فى خلال فترة زمنية قصيرة المرة الأولى، ليتعاقد مع نادى كاظمة الكويتي ولم يوفق وعاد مرة أخرى إلى النادي الاسماعيلى، وانضم إلى فريقه وتدرب ولعب مباريات ودية خلال فترة الإعداد ولم يتم التحقيق مع اللاعب وسبب هروبه من النادي. ولم تتعلم الإدارة وتضمن حقها في اللاعب بتوقيع عقد معه لعدم تكرار تلك الواقعة، وللمرة الثانية وكما فعلها فى المرة الأولى، سافر بعد مباراة الاسماعيلى الودية مع نادى المصري البوسعيدى، مع العلم انه قد أصيب في تلك المباراة بخلع في الكتف، ولكن إصرار اللاعب على السفر وطموحه في الاحتراف الخارجي جعله يغادر إلى الكويت بدون إذن من النادي. ولن يتم غلق هذا الباب إلا إذا تم فتح أبواب الاحتراف أمام المواهب الكروية، وان تسعى الأندية إلى تنظيم عملية احتراف لاعبيه فى الخارج بدلا من تضييق الخناق عليهم وقتل مواهبهم، لأننا عندما نقف أمام أعداد لاعبي الكرة المصرية المحترفين بالخارج نشعر بالحزن إذا ما عقدنا مقارنة بينهم وبين دول شديدة الصغر في أفريقيا.