أحيانا أجد صعوبة في فهم لغتنا اليومية; ليس طبعا معرفة ما يقال, ولكن ما لا أعرفه هو ماذا يعني في الواقع العملي. خذ مثلا تعبير خط أحمر الذي يستخدم في السياسة كثيرا هذه الأيام. وقبلها أيضًا ولكن ليس بهذه الغزارة. فما لم يرد أمر ما في الدستور فهذا خط أحمر لا يمكن التراجع; وما لم يستجب رئيس الوزراء لأمر ما فإن هذا خط أحمر; وعندما عرض الفيلم الآثم الحاقد كان هناك كثرة قالت إن الاقتراب من الموضوع خط أحمر. وهناك أمور إذا تجاوزتها إسرائيل فهي خط أحمر, وإذا تجاوزتها أمريكا فهي خط أحمر, وإذا تعداها ليبراليون فهي خط من نفس اللون, أما إذا تعداها سلفيون فإن اللون الأحمر يصبح بلون الدم. في يوم من الأيام قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بالقول إن العراق تخطي خطا علي الرمال وكان ذلك تعبيرا عن غزو الكويت, أما قول بوش فقد كان يعني إما أن ينسحب صدام حسين أو إنها الحرب. وقد كانت الحرب عندما تكون أكبر تحالف دولي وإقليمي لتحرير الكويت, وعبر الجيش العراقي خط الرمال ولكن في الاتجاه العكسي هذه المرة. ومن يومها فإن تعبير خط علي الرمال يساوي تقريبا ما نقول به عن الخط الأحمر مع فارق بسيط أن القول به يعني شيئا من أول التعبئة, وحتي بناء التحالفات, أو شن الحرب إذا لزم الأمر. في بلادنا فإن الإفراط في استخدام التهديد يفقده معناه خاصة إذا لم يظهر علي من قاله أن حياته اختلفت بعد الإشارة إلي الخط الأحمر عما كانت قبلها, أو أن أكثر ما لديه هو أن يزيد من الصياح وعلو الصوت. وفي يوم من الأيام قال الرئيس الخالد جمال عبد الناصر إنه إذا لم يعجب الأمريكيين ما يقول فإن عليهم أن يشربوا من البحر الأبيض, وإذا لم يكن كافيا فيمكنهم الشرب من البحر الأحمر أيضا. كان التهديد أكبر بكثير من حكاية الخط الأحمر, ولذلك كان الثمن غاليا وهو كارثة يونيو1967. في العالم الآخر يراقبون ما نفعل, ويقيسون المسافة بين القول والفعل, وتوجد لديهم أكثر من وسيلة لمعرفة عما إذا كان الخط أحمر بالفعل أم أن الأحمر في حقيقته بمبي. الدرس الذي نتعلمه هو أن تكون كلماتنا عنوانا للجدية, وفي وقت من الأوقات قال مجموعة من الشباب إنهم سيقومون بثورة ولم يصدقهم أحد, ولكنهم فعلوها, وتغيرت مصر واحترمها العالم, ولكن اللحظة لم تتكرر مرة أخري. نقلاً عن الأهرام