عندما قضت محكمة إندونيسية بسجن حاكم جاكرتا المسيحي باسوكي تجاهاجا بورناما عامين بتهمة التجديف يوم الثلاثاء استندت إلى أقوال الخطيب الإسلامي المفوه حبيب رزيق باعتباره حجة في القرآن. وقد سبق أن دخل هذا الخطيب زعيم جبهة المدافعين عن الإسلامي السجن مرتين بتهمة التحريض على العنف وكان حتى عهد قريب شخصية مغمورة في المجتمع الاندونيسي وكان المجتمع يعتبر أنصاره أفرادا في لجان شعبية تستخدم أساليب البلطجة وتميل للتطرف والابتزاز. ويسلط اعتراف المحكمة به كواحد من علماء الدين الاسلامي المبجلين، بل وقرار المحكمة ذاته، الضوء على نفوذ الجماعات الإسلامية المتنامي في اندونيسيا أكبر دول العالم الإسلامي من حيث عدد السكان المسلمين والتي يعترف دستورها بتعدد الأديان وجرى العرف فيها على التسامح الديني. ويقول منتقدون إن الحكم القضائي أضفى تصديقا شبه قانوني على تفسير متشدد لنصوص قرآنية الأمر الذي قد يشجع على تهميش الأقليات الدينية في اندونيسيا. غير أن الرئيس جوكو ويدودو الإصلاحي المعتدل وحليف بورناما هون علانية من شأن المخاوف من تزايد التعصب الاسلامي في البلاد فحث الاندونيسيين بعد الحكم على احترام العملية القانونية مشيرا إلى أن بورناما سيستأنف الحكم. وكان بورناما قال أثناء استعداده لخوض انتخابات للفوز بفترة ثانية حاكما للعاصمة الاندونيسية في العام الماضي قال لمجموعة من العاملين في مجال الصيد إن منافسيه يخدعون الناس باستخدام آية من القرآن تقول إن على المسلمين ألا يولوا عليهم غير المسلمين. وأدى هذا التعليق إلى مظاهرات عارمة قادتها جبهة المدافعين عن الإسلام وإلى محاكمة الحاكم المسيحي المنتمي لأصول عرقية صينية. * التصويت لغير المسلمين ورد اسم رزيق ضمن عدد من الشهود أثناء فحص القضاة للآية القرآنية الواردة في سورة المائدة. وأيدت المحكمة تفسيره أنها تمنع المسلمين من التصويت لغير المسلمين. وقال المحامي والحقوقي الاندونيسي البارز بودونج موليا لوبيس "رزيق ليس مؤهلا كخبير. ذهلت وأنا أستمع لذلك". وأضاف أن الحكم نفسه صادم. وكان رزيق شاهدا من شهود الإدعاء غير أن المدعين لم يطلبوا سوى إصدار حكم مع إيقاف التنفيذ عن تهمة أقل تتمثل في استعمال عبارات فيها ازدراء. وفي النهاية قرر القضاة إصدار حكم بالسجن بتهمة أخطر هي التجديف. وقال المحامي لوبيس "القضاة لم يأخذوا فعلا بما قدمه فريق الدفاع" مشيرا إلى أن كثيرين من كبار رجال الدين أخذوا صف بورناما. وفي حين اعتذر بورناما مرارا عما إذا كان قد تسبب في أذى للمسلمين قال أحد القضاة إن الحكم مبرر لأن المتهم "لم يشعر بالذنب". وفور صدور الحكم نقلت السلطات بورناما إلى مركز احتجاز في جاكرتا. ومن المقرر أن يسلم منصب الحاكم لخلفه في أكتوبر تشرين الأول. * "انتصار للمتشددين" كان بورناما المعروف باسم أهوك محبوبا على نطاق واسع كحاكم لجاكرتا بفضل أسلوبه الجاد وبرامجه لإصلاح مشاكل العاصمة من زحام مروري وشوارع معرضة لخطر الفيضان. وكان يتفوق بفارق كبير في استطلاعات الرأي على منافسيه في الانتخابات حتى نشرت جماعات إسلامية في سبتمبر ايلول الماضي تعليقاته عن الآية القرآنية في مقطع فيديو. وخرج مئات الآلاف من المسلمين للشوارع في مظاهرات تطالب بسجنه. وفي 19 ابريل نيسان هزمه مرشح مسلم في انتخابات الإعادة على منصب الحاكم. وقال تيم لينزي الخبير بجامعة ملبورن في النظام القانوني باندونيسيا إنها ليست سابقة أن يصدر قضاة اندونيسيا حكما أشد مما طالب به المدعون. وأضاف أن محافظين من رجال الدين كان لهم تأثير واضح على هيئة المحكمة. وتابع "هذا هو الانتصار الكامل للمتشددين". وقال أندرياس هارسونو من منظمة هيومن رايتس ووتش إن القضية ستعزز التفسير الحرفي لما ورد في سورة المائدة عن ولاية المسلمين على المسلمين في كل مناحي الحياة. وأضاف "سيمتد ذلك إلى مكان العمل. سيطالبون برؤساء تنفيذيين من المسلمين وموظفين كبار من المسلمين. والإسلاميون يتحدثون بالفعل عن ذلك". ورغم ما يبديه الرئيس ويدودو من هدوء فقد قال عدد من المصادر الحكومية لرويترز إنه يعتقد أن النفوذ المتزايد للاسلاميين تغذيه خصومات سياسية ويصرف اهتمامه عن الإصلاحات. ويوم الاثنين أعلنت حكومة ويدودو حظر حزب التحرير وهو جماعة لا تدعو للعنف تنادي بخلافة إسلامية وساهمت في تنظيم المظاهرات المناهضة لبورناما. وفي الوقت نفسه ألقت الشرطة القبض على قادة جماعات إسلامية بتهمة الخيانة. كما يجري التحقيق مع رزيق بتهمة توزيع مواد إباحية والتجديف في المسيحية.