دائما ما أتذكر رائعة نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) وهي الرواية الأكثر تطرفًا في إثارة حفيظة الأوساط المتدينة والمحافظة، وأكثرها جرأةً في تناولها للذات الإلهية منذ الفترة الاعتزالية وحتى يومنا هذا.. حيث اعتبر المعتزلة الله منزهًا من الأخطاء فعُطّلت صفاتُه ثم أُطلق عليها اسم "المعطلة". وهذه الرواية تسرد لنا حياة الأنبياء كما رآها محفوظ من وجهة نظره. وفيها يحاول الكاتب أن يصوّر للقراء مدى الظلم الإلهي الذي حلّ بالبشر وخصوصًا الضعفاء، منذ أن طرد الله آدم من الجنة وحتى اليوم، ثم طرد الربُ الذي أصبح عجوزًا لا يقوى على شيء، الأشرارَ يعيثون في الأرض فسادًا وينزلون أشد العقوبات بالضعفاء.. ومع التطورات التي تشهدها حياتنا وحارتنا من ظروف اقتصادية صعبة وحالة من الانقسام لم تعد آفة حارتنا النسيان فقط وانما تعدد الآفات في حارتنا رغم مانعانيه نحن سكانها من ظروف معيشية صعبة .. إلا ان مانشهده في حارتنا من حالة سعار وتكالب على الفشخرة في كل شيء رغم الظروف الاقتصادية الصعبة الا أن القادرين في حارتنا مصممين على الفشخرة في كل شيء من سيارات فارهة أو السكن في الكومباوندات الفاخرة داخل حارتنا وفي الأفراح فشخرة وفي الزواج فشخرة كدابة مما يجعل زواج الفتاة أو الشاب يفكر ألف مرة قبل التفكير في الزواج ويتم انفاق مئات الالاف من الجنيهات على فشخرة الفرح وأحيانا تكون ملايين الدولارات مثلما حدث في الاحتفال بزواج ابنة أحد كبار رجال الاعمال ومنها أفراح تقام في روما وغيرها في أثينا .. والفشخرة مستمرة حتى بين أفراد الطبقة التي كانت متوسطة وأصبحت الان من محدودي الدخل وأحيانا معدومي الدخل في الاصرار على الشقة الكبيرة المساحة وان تكون مكدسة بعفش وأدوات أحيانا لايتم استخدامها على الاطلاق مما جعل زواج أبناء الطبقة التي كانت متوسطة من المستحيلات وأحيانا لمن استطاع اليه سبيلا .. وأصبحت آفة حارتنا الفشخرة الكدابة .. وداء الفشخرة على رأي جدتي وهي (ثقافة شوفوني) وهي التباهي بما لا فائدة منه ولا ضرورة والتي تأتي على حساب كل شيء و تعني القضاء على أعظم صفة ألا وهي صفة التواضع وأصبحنا نمسي ونصبح نشاهد ونسمع نأكل ونتنفس ونعيش على "الفشخرة" و"المتفشخرين" . وهنا لا يبقى شيء يبقى على حالة فلم تقف "الفشخرة" عند حدها التقليدي القديم .. وتطورت الفشخرة و أتجه المتفشخرين في وقتنا إلى وسائل جديدة وأشمل ليكون إستعراضهم جماهيريآ (الفشخرة الجماهيرية ) وهي حب الظهور بين الجماهير بالمظاهر المبالغ بها كما دخلت (الفشخرة) في عالم المال والأعمال والأقتراض والقروض فأصبح الفشخرة بالسيارة والفشخرة بالمنزل والفشخرة بالأكل والفشخرة بالمسميات والفشخرة السياحية والفشخرة بالحفلات والولائم وغيرها من الفشخريات الحديثة والتي تساند )المتفشخر (أو (المتفشخره) في الفوز والانتصار على الآخرين في سباق مباراة الاستعراض وعادة ما يستعينوا المتفشرخين بالبنوك أخيرا السؤال يطرح نفسه في هذا المقال: هل يعتقد(المتفشخر) أن الاحترام مرهون بالاستعراض والتباهي بما يملك ؟ الإنسان يجب أن يحترم لخلقه وحسن تعامله وأريحيته وسمعته الطيبة وتواضعه وكرمه.. هذه هي المقاييس الحقيقية أما الأستعراض بالأشياء وما تملك فهي وسائل وليست صفات والوسيلة تختفي وتبقى الصفات الحميدة فمن لا يحترمني لذاتي فلا حاجة لي به والإفراط غالبا ما يسبب التفريط فمتى نهتم بجوهر الأمور لا بشكلياتها ؟ لنعش حياتنا كما هي ببساطتها وحلوها ومرها بعيدا عن التماهي والتصنع والتملق والنفاق الاجتماعي. . . وقانا الله شر الفشخرة والمتفشخرين.. والله المستعان