على بعد أمتار من حجرة صغيرة مدون على بابها الزجاجى مكتب المساعدات القانونية، وقفت "ايمان" الزوجة الثلاثينية ترتدى عباءة سوداء اللون تكشف عن جسد أنهكته الهموم، وتزين رأسها بحجاب حريرى أطرافه مخاطة بخيوط ذهبية، تطل منه شعيرات تظهر ما أصابها من شيب، توهم به الناظرين إليها بكبر عمرها الذى لا يزال فى عقده الثالث، وتمسك بيدها أوراق دعوى نفقة الصغار التى تنتوى تحريكها ضد زوجها للمرة الثالثة بعدما كف عن الإنفاق عليها وأولادها وتفرغ للهث وراء نزواته بحسب روايتها. تقول الزوجة فى مستهل روايتها:" تزوجته عن حب، فقد كان صديق لشقيقى، ويعمل مندوب شرطة بوزارة الداخلية، وعندما وقعت عينى عليه ظننت أنه هو الرجل الذى لطالما حلمت به، لم أكن وقتها قد أكملت عامي السابع عشر بعد، وربما كان صغر سنى وقلة خبرتي وعدم منحى وقتا كافيا لدراسة طباع زوجى قبل الزواج حيث تم الزفاف خلال شهرين تقريبا سببا فيما عانيت طوال 17 عاما عشتها معه، فلم أتمكن من اكتشاف سوء خلقه وسلاطة لسانه ويده التي تسبق كلماته دائما، والخيانة التى تجرى فى عروقه مجرى الدم إلا بعد أن أغلق علينا باب بيت واحد". تعود الزوجة بظهرها للوراء وهى تواصل الحديث عن تفاصيل حياتها البائسة:"لم يترك زوجى واحدة من المقربات لى أو حتى جاراتى دون أن يتحرش بها أو يحاول أن يقيم معها علاقة رغم أننى لم أنقصه يوما حقا من حقوقه، أو أهمل فى مظهرى أو حتى بيتى، والجميع يشهد لى بذلك، وكانوا كثيرا ما يتعجبون من أفعاله، وسوء معاملته لى وضربه لى بسبب وبدون سبب ضربا مبرحا كان يجعلنى طريحة الفراش لشهور طويلة، وكانوا يلوموننى على الرجوع إليه بعدما تكررت وقائع ضربه لى وتعددت الإصابات والتشوهات ما بين فتح فى رأسى وجرح غائر فى جبهتى وكسر فى ضلوعى، ولكن ماذا كنت أفعل، فتحملي له لم يكن حبا فيه ولكن خوفا على مستقبل الصغار، فمن سيتحمل مسئولية 3 أولاد". ترتب الزوجة أوراق دعوى النفقة فى حافظة مستندات باهتة اللون وهى تنهى روايتها:"ويبدو لأن زوجى كان يعى نقطة ضعفى جيدا، كان يعذبنى بلا رحمة، ولا يلتزم بما يقر به فى جلسات الصلح من تعهدات بحسن معاملتي ومعاشرتي الإنفاق على أولاده ورعايتهم والكف عن خيانتي، وفى أخر مرة لنا معا ضربنى كعادته بدون سبب ووجه سلاحه الميرى الذى اعتاد استخدامه فى تأديبي لرأسى، فهذه هى اللغة الوحيدة التي يعرفها ولذلك كان منبوذا فى عمله وتم نقله أكثر من مرة بسبب عصبيته، فتركت له البيت عائدة إلى منزل أهلى، لأنني أيقنت أننى إذا استمريت مع هذا الشخص أكثر من ذلك سينتهي بى المطاف إما فى زنزانة أو غرفة معتمة بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية، وليعاقبنى كف عن إرسال نفقات لأولادي فلجأت إلى محكمة الأسرة لأقيم ضده دعوى نفقة للصغار، ولن اتنازل عنها هذه المرة كما فعلتها فيما مضى مرتين تحت تأثير وعود زائفة".