ورد سؤال إلى دار الإفتاء مفاده بأنه جاء في القرآن: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» [النساء: 3]، وقد ذكرت الكتب المؤلفة عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم أنه تزوَّج أكثر من إحدى عشرة امرأة، فكيف يكون رسول من رسل الله بهذه الصفة؟. وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن هذه الشبهة، إن السائل قد خلط بين طبائع البيئات المختلفة، فلكل عصر طبيعته التي يتأثر بها من يعيش فيها، وعصر الرسول صلى الله عليه وسلم قد انتشر فيه تعدد الزوجات، واتخاذ الجواري، ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن زواجه رغبة في كثرة النساء كما أشار السائل، وإنما كان زواجه صلى الله عليه وسلم يرجع إلى أسباب اجتماعية وتشريعية وسياسية. وأوضحت الإفتاء الأسباب الاجتماعية لزواج الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فزواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها، وهذا نضج اجتماعي، بحيث يتزوج الرجلُ المرأةَ العاقلة الرشيدة، وكان عليه الصلاة والسلام في سن الخامسة والعشرين وظلت معه وحدها حتى توفيت وهو في سن الخمسين. وأشارت إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوَّج بعدها بالسيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة؛ لحاجة بناته الأربع إلى أم بديلة ترعاهن وتُبَصِّرهن بما تُبَصِّر به كل أم بناتها، وحفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها بعد وفاة زوجها إكرامًا لأبيها س3ه. والسيدة زينب بنت خزيمة استشهد زوجها في غزوة أحد فتزوجها س4ه، والسيدة أم سلمة هند بنت أمية توفي زوجها ولها أولاد فتزوجها س4ه. وبيّنت أنه من عرض الزيجات السابق ذكرها يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بأرامل الشهداء الذين قُتِلُوا في جهاد المسلمين للمشركين لتطييب نفوسهن، ورعاية لأولادهن، فكان هذا تعويضًا من الله عز وجل لهن. وذكرت الأسباب التشريعية لزواجه: فزواجه -صلى الله عليه وسلم- من السيدة عائشة رضي الله عنها كان بوحي، حيث رأى في المنام أنه تزوجها، ورؤيا الأنبياء وحي. وألمحت إلى أن زوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة الذي كان يُدْعَى زيد بن محمد بالتبني، فنزل قول الله تعالى: «وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ» [الأحزاب: 4] «ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» [الأحزاب: 5] وبعد خلاف مع زوجها طُلِّقت منه، وأُمِرَ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها لإقامة الدليل العملي على بطلان التبني، وذلك سنة خمسة للهجرة. وأرجعت الأسباب السياسية من تعدد زيجات الرسول: أنه كان لبعض زيجات الرسول صلى الله عليه وسلم بُعد سياسيٌّ من حيث ائتلاف القلوب والحدِّ من العداوة وإطلاق الأسرى ... إلخ، ومِن ذلك: زواجه بالسيدة جويرية بنت الحارث، سيد بني المصطلق، من خزاعة، وقعت في الأسر، تزوجها سنة 6ه. ولفتت إلى أن السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، تنصَّر زوجها وبقيت هي على إسلامها، وكان للزواج منها كبير الأثر في كسر حِدَّة أبي سفيان في العداء للإسلام، حتى هداه الله. وتابعت: والسيدة صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها الرسول وتزوجها س7ه، مضيفة: والسيدة ميمونة بنت الحارث تزوجها س7ه. وأكدت أنه مات من هؤلاء اثنتان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما: خديجة، وزينب بنت خزيمة، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تسع. واستطردت: وأما الجواري فهما مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفي صغيرًا، وريحانة بنت زيد القرظية، مستنتجة: إذن التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره، فهل هذا دليل الشهوة؟ ومن يشتهِي هل يتزوج الثيبات وأمهات الأولاد والأرامل؟ كيف وقد عُرِضَ عليه خيرة بنات قريش فأبى؟!. ونبهت على أن التعدد منه صلى الله عليه وسلم كله كان لحكم منها -فضلًا عما سبق- بيان كل ما يقع في بيت النبوة من أحكام عملًا بقوله تعالى: «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا» [الأحزاب: 34] ولتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته لهم، وللزيادة في تألفهم لذلك، ولتكثر عشيرته من جهة نسائه فيزداد أعوانه على من يحاربه، ولنقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال؛ لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله. وألمحت إلى أن التعدد سنَّة الأنبياء بنصوص الكتاب المقدس: وذكر الكتاب المقدس عددًا من الأنبياء وذكر عنهم التعدد؛ منهم: - نبي الله إبراهيم عليه السلام، ذكر الكتاب المقدس له ثلاث زوجات؛ سارة [سفر التكوين (20: 12)]، هاجر المصرية [سفر التكوين (16: 3)]، قطورة [سفر التكوين (25: 1)]، وكذلك ذكر أنه كانت له سراري [سفر التكوين (25: 6)]، ونبي الله يعقوب عليه السلام، كان له أربع نسوة في وقت واحد؛ جاء في سفر التكوين: "ثم قام في تلك الليلة وأخذ امرأتيه وجاريتيه وأولاده الأحد عشر وعبر مخاضة يبوق" (32 : 22). واستطردت: ونبي الله داود عليه السلام، ذكر العهد القديم له تسع نسوة: أخينوعم اليزرعيلية، وأبيجايل امرأة نابال الكرملي، ومعكة بنت تلماي ملك جشور، وحجيث، وأبيطال، وعجلة. [صموئيل الثاني ( 3 : 1-6)]، وميكال. [سفر صموئيل الثاني (6 : 23 )]، وبثشبع امرأة أوريا. [سفر صموئيل الثاني ( 11 : 26 )]، وأبيشج الشونمية. [سفر الملوك الأول ( 1 : 1- 5 )] واستكملت: ونبي الله سليمان عليه السلام، ذكر العهد القديم أنه كانت له ألف امرأة؛ سبعمائة من الحرائر وثلاثمائة من السراري، "وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري" [سفر الملوك الأول (11 : 3 )]، فهؤلاء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان ذكر العهد القديم أنهم قد عددوا الزوجات، فالتعدد سنَّة الأنبياء ومنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.