"الجبهة الوطنية" يعلن آليات اختيار مرشحي "الشيوخ" بشكل يعكس أهداف الحزب وهويته    الفجر بالإسكندرية 4.13.. مواعيد الصلوات الخمس في مصر غدا الخميس 3 يوليو 2025    سعر الحديد مساء اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025    بعد الضربات الأمريكية والصهيونية ..هل إيران قادرة على امتلاك قنبلة نووية؟    الإيقاف يحرم بيلينجهام من مواجهة شقيقه جود في مباراة ريال مدريد ودورتموند بكأس العالم للأندية    مصر تحصد ذهبية كأس العالم للشطرنج تحت 12 عاما بجورجيا    السوبر المصرى حائر بين 4 دول عربية    الجونة يعلن رحيل محمد مصطفى عن قطاع الناشئين    حادث غرق الحفار ادم مارين 12 بالبحر الأحمر يكشف فشل أجهزة حكومة الانقلاب    بسبب خلافات الجيرة.. حالتا وفاة و3 مصابين في مشاجرة دامية بسوهاج    فيلم "ريستارت" لتامر حسني يقترب من 85 مليون جنيه في 5 أسابيع    الصين: تربطنا بمصر شراكة استراتيجية.. وزيارة رئيس الوزراء تشيانج لتنمية العلاقة والتعاون    عمدة هيروشيما ردًا على ترامب: «القنابل الذرية بمجرد استخدامها تقتل الصديق والعدو وتهدد البشرية»    «النواب» يسأل الحكومة عن إرسالها قانون التعليم متأخرًا.. و«فوزي»: هناك إصلاحات و«الوقت مزنوق»    مدير الوحدة المركزية لحياة كريمة: الانتهاء من 90% من مشروعات المرحلة الأولى للمبادرة    حصاد البورصة خلال أسبوع.. هبوط المؤشر الرئيسى ليغلق عند مستوى 32820.49 نقطة    وزيرة البيئة تكرّم أبطال المناخ من المزارعين.. وتؤكد دعم الدولة ل شهادات الكربون    أحمد عبد القادر يقترب من الرحيل عن الأهلي والانتقال إلى زد    التعليم العالي: فتح باب التقدم لبرامج التعاون العلمي بين مصر واليابان (التفاصيل )    مصر تصدر أول مواصفة دولية للتمر المجدول.. ومطالب بزيادة المساحة المزروعة للتصدير    حالة الطقس اليوم في السعودية وتحذيرات من تأثير العوالق الترابية على حركة المرور    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس الدور الأول.. رابط الاستعلام فور ظهورها    فرق الطوارئ تواصل سحب تجمعات مياه الأمطار من شوارع وميادين المنوفية    استمرار الكشف الطبي على المتقدمين للترشح ب انتخابات مجلس الشيوخ في الشرقية    تحولات مهمة ونفقات غير متوقعة.. اعرف حظ برج الجوزاء في يوليو 2025    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    يوم عاشوراء 2025.. كل ما تريد معرفته عن موعده وفضل صيامه    كمادات باردة على الرأس والعنق.. 7 نصائح فعالة لعلاج الدوخة والصداع الناتج عن حرارة الجو    منظومة التأمين الصحى الشامل تدخل يومها الثاني في أسوان.. و13 منفذًا لخدمة المستفيدين    تحتوي على مواد خطرة وقابلة للاشتعال.. إزالة وإخلاء مخازن مخالفة في الطالبية ب الجيزة    سيكو سيكو يتخطى ال 188 مليون جنيه منذ طرحه فى السينمات    الإعلام الحكومى بغزة يدعو لفتح تحقيق جنائى بشأن استهداف منتظرى المساعدات    تحطم مروحية عسكرية تابعة لقوات الاتحاد الأفريقي داخل مطار آدم عدى بمقديشيو    غلق 4 محلات بدمنهور فى البحيرة لمخالفة تعليمات ترشيد الكهرباء    خطوة واحدة تفصل الزمالك عن إعلان التعاقد مع الفلسطينى آدم كايد    وزير الأوقاف يجتمع بقيادات وزارة شئون المسلمين بالفلبين لبحث مذكرات التفاهم    مانشستر سيتى يبدأ فترة الإعداد للموسم الجديد 28 يوليو    كشف لغز مقتل فتاه على يد والدتها بمركز أخميم بسوهاج    حزب المصريين: خطاب 3 يوليو نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث    فضل شاكر يدعم شيرين عبد الوهاب برسالة مؤثرة: «مارح نتركك»    محافظ الفيوم يعتمد درجات تنسيق القبول بالمدارس الثانوية والدبلومات للعام الدراسي 2026/2025    ندوة أدبية ب«روض الفرج» تحتفي بسيد درويش شاعرًا    من الحليف إلى الخصم.. كيف انهارت علاقة ترامب وماسك خلال شهر؟    "إعلام المنوفية" تفوز في مسابقة الإبداع الاعلامي وتناقش مشاريع تخرج الدفعة 2025/2024    "الزراعة" تستعرض تقريرا حول الجهود البحثية والخدمية والميدانية ل"بحوث الصحراء" خلال يونيو    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة الموقف التنفيذي لمشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل لقاء حزب الوعي وفدَ سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة    3 مصابين في حادث تصادم على طريق الإسماعيلية بالسويس    رئيس «المصالح الإيرانية»: طهران لن تتنازل عن شرط موافقة الكونجرس على أي «اتفاق نووي»    "عمل تمثيلية وإحساسنا كان كوبري".. مفاجأة جديدة بشأن انتقال إمام عاشور للأهلي    عالم سعودي يكشف عن 4 مراتب لصيام عاشوراء: المرتبة الأولى الأفضل    قرارات حاجة لمحافظ الدقهلية في مفاجئة لمستشفى بلقاس..صور    رئيس جامعة المنيا يفاجئ مستشفيات الجامعة بعد منتصف الليل للاطمئنان على انتظام العمل    آخر ما كتبه المطرب أحمد عامر قبل وفاته بساعتين    وزارة البترول: تفعيل خطة الطوارئ فور انقلاب بارج بحري بخليج السويس    التشكيل الرسمي لمباراة بوروسيا دورتموند ومونتيري في مونديال الأندية    من دعاء النبي.. الدعاء المستحب بعد الوضوء    أمين «البحوث الإسلامية»: الهجرة النبويَّة تأسيسٌ لمجتمع قيمي ينهض على الوعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتحي محمد ماهر يكتب: الناس.. العلم والوطنية
نشر في صدى البلد يوم 16 - 08 - 2012

تتخذ الأمم والشعوب والجماعات السياسية منذ القدم وعبر التاريخ أعلامًا وعلامات كرايات وشارات لجيوشها ولدولها ولحركاتها وعقائدها السياسية والدينية، وهى ترمز لعزة وكرامة هذه الجماعة القومية وعزة وكرامة وطنها ودينها أو تعبر عن تطلعاتها، والعلَم والراية أمرٌ في غاية الأهمية له قيمته المعنوية والروحية والتاريخية والوطنية والدينية، فهو تعبير رمزي يرمز لعزة وكرامة الجماعة ولعزة دولتها الوطنية أو لدينها، لذلك كان هذا الاهتمام برفع الرايات والأعلام وتكريمها والمحافظة عليها شيء فيه الكثير من الاحترام والإكرام، بل ويصل الأمر للتضحية بالنفس والنفيس في سبيل بقاء الراية خفاقة دون أن تسقط على الأرض أو تدوسها أقدام الأعداء!.. فهى أمر معنوي غاية في الأهمية والحساسية، وقد سنّ كثير من دول العالم عيدًا سنويًا تحتفل فيه بيوم العلم تقديرًا للمعنى النبيل للراية وتمجيدًا للرمز الشريف الذي تمثله.
قبل استعراض تاريخ الراية منذ القدم إلى الزمن الحالي لا بد من الحديث عن الجانب اللغوي لهذه الكلمة والتي لها عدة مرادفات تختلف معانيها.
نقول "اللواء" وهو العلم، قيل سمى "اللواء" لواء لأنه يلوى لكبره فلا ينشر إلا عند الحاجة، جمع ألوية وألويات، يقال بعثوا بالسّواء واللوّاء أي بعثوا يستغيثون. أما "العلم" فهو رسم الثوب ورقمه، والمقصود به كذلك الراية وما يعقد على الرمح، وهو كذلك شيء ينصب فيهتدى به.
لا أحد يعرف على وجه التحديد متى استخدم العلم لأول مرة، ففي العصور الأولى عندما كان الإنسان يرتدي جلود الحيوانات ويسكن الكهوف ويستخدم أدواته من الحجر، وجد أنه بحاجة ماسة إلى أن يخبر عائلته بالمكان الذي سيصيد فيه، فكان عليه أن يغرس في الأرض عصا معقوفة الرأس عند مكان صيده على أمل أن توافيه عائلته إلى هناك أو تنتظره عند تلك العصا، وكانت هذه العلامة بمثابة العلم عند الإنسان الأول، وحينما تطور المجتمع البشري ونشأت أولى الحضارات الزراعية تطور العلم، وصارت المجموعات الإنسانية تميز نفسها بعلامات مختلفة، فكان بعضها يضع ذيول الذئاب على عصا عالية، وبعضها الآخر يفضل أن يميز مجموعته بأذناب الخيول فيرفع بعضها فوق رمح طويل.
وتقول الروايات التاريخية: إن أول من استعمل العلم بعد الصيادين هم الجنود الذين كانوا يخوضون المعارك ويلتحمون مع أعدائهم وتختلط السيوف بالسيوف وكانوا يجدون صعوبة في معرفة أماكن وجود قادتهم، واهتدى قادة الجيوش إلى حل مناسب، فحمل كل قائد منهم عمودًا "طويلا" يسهل على المقاتلين معرفته ومعرفة وجود القائد، فكان الجنود إذا ما رأوا العمود مرتفعًا استدلوا على مكان قائدهم، أما إذا سقط العمود فإنهم يعرفون أن قائدهم قتل أو أصابه مكروه، وكان كل قائد يحرص على أن يكون عموده مميزًا عن أعمدة القادة الآخرين، كأن يضع في رأس العمود ريشة أو مروحة أو صورة لحيوان.. إلخ.. وحسب الروايات التاريخية لابد من الإشارة إلى أن الصينيين القدماء وسكان جزر الهند الشرقية هم أول من ابتكر العلم من القماش، وتقول الروايات أيضًا إنهم عرفوا أعلام القماش منذ عام 1100 قبل الميلاد، أما البابليون فقد اتخذوا علمًا خاصًا بهم يسمى علم الأسد، لأن الأسد كان من شعاراتهم الموقرة التي تدل على القوة والشجاعة، واستخدم الآشوريون "تمثالا" لمعبود "هم أشور" كعلم لهم، وكانت فرقهم العسكرية ترفع هذا التمثال على رماح عالية، وكان شعار الآشوريين "الحمام"، أما جيوش الرومان فقد كان أفرادها يحملون العلم الروماني وهو مزين بصورة نسر روما الحربي، وقد أكدت الآثار التي عثر عليها الباحثون والمنقبون أن بعض الأمم القديمة استعملت نوعًا من البيارق يحمل رسومًا وشارات، وصار العلم أكثر تعقيدًا في الحضارة الفرعونية، واتخذ أشكالا عديدة ورسومًا مختلفة كرمز للحضارة، منها الشمس والصقر والريشة والغزال والسفينة، وذلك لتمييز فرق الجيش البحرية والبرية عن بعضها وللتفريق بين ممتلكات الدولة وغيرها، وكان جنود الفراعنة في مصر القديمة يحملون ما يطلق عليه اسم "صولجان" وهو عبارة عن عصي من الخشب أو المعدن معقوفة الرأس وفي قمتها نقوش أو تماثيل، وكان العلم يدعى باللغة الهيروغليفية "سريت" ووجد مرسومًا على جدران الدير البحرى بالأقصر على شكل مروحة نصف دائرية مرفوعة على عمود خشبى طويل وتتصل به فى بعض الأحيان أشرطة ملونة كثيرة.
ومما سبق يعتبر المصريون القدماء أقدم أمة في التاريخ البشري استخدمت الرايات والأعلام بالشكل المتعارف عليه حاليًا كرمز وطني يرمز إلى الأمة المصرية، حيث توجد في المعابد المصرية نقوش تبين استخدامهم لرايات وأعلام مصرية في الاحتفالات والحروب، وفي بداية العصر الإسلامي تقول الروايات التاريخية: إن أحد الأنصار أبى ألا أن يدخل الرسول (صلى الله وعليه وسلم) المدينة بعلم فنزع عمامته ونشرها وعلقها على رمح ورفعها عاليًا فوق رأس الرسول الكريم فكانت أول علم رفع الإسلام.
وقد كان الرسول الكريم يربط بيده أعلام الفتح ويسلمها إلى قادة الجنود والسّرية الذاهبة للجهاد المقدس، وقد اختار الرسول الأعظم علمين أحدهما: راية سوداء اللون كبيرة الحجم، والأخرى راية بيضاء اللون أصغر قليلا من الأولى كرمز للطهر والسلام وهما من شعائر الإسلام، وقد رفع المسلمون هاتين الرايتين عاليًا من حدود الصين إلى تخوم فرنسا، وصار هذان اللونان من أشهر الأعلام العربية الإسلامية، وبالنسبة لمصر في العصر الحديث، ففي عهد الدولة العثمانية كان علم مصر هو علم الخلافة العثماني، وهو عبارة عن ارضية حمراء وهلال يحتضن نجمة ذات 7 أطراف، وأثناء حكم محمد علي كان العلم المصري هو نفس العلم العثماني، إلا أنه كان يحمل منذ البداية نجمة ذات 5 أطراف لتمييزه عن العلم العثماني، ويبدو أن هذه النجمة مستمدة من الشكل الذي عرفه المصريون منذ حضارتهم القديمة. وكان هذا الفارق في عدد أطراف النجمة هو الوسيلة الوحيدة للتمييز بين سفن الأسطول المصري والتركي أثناء حصار الأساطيل الأوربية المساندة للعثمانيين ضد محمد علي للموانئ المصرية، بالإضافة إلى ذلك صنع محمد علي لفرق الجيش أعلامًا خاصة، وكانت أعلامًا من الحرير الأبيض طرزت عليها آيات من القرآن الكريم وأرقام الآيات بالقصب.
وكان من مظاهر اهتمام محمد علي بالعلم "وثيقة العلم" التي كانت تردد عند تسلم كل آلاي من آلايات الجيش علمه، وفي عهد الملك فؤاد وبعد استقلال مصر عام 1922م رفع العلم الملكي وهو علم الاستقلال وهو يعرف بالعلم الأهلي، وهو العلم الأخضر ذو الهلال الأبيض والنجوم الثلاث.
وقد اعتمد في 10 ديسمبر 1923 بعد صدور تصريح 28 فبراير 1922 وتحول مصر إلى مملكة حرة مستقلة، وهو أحد الأعلام التي رفعها الشعب في أثناء ثورة 1919م، وكان اللون الأخضر في العلم يرمز إلى خضرة الوادي والدلتا ويرمز للإسلام الذي تدين به الأغلبية في مصر، بينما النجوم الثلاث تشير للأجزاء الثلاثة التي تتكون منها المملكة المصرية وهى مصر والنوبة والسودان، أو ديانات أهل مصر الثلاث وهى الإسلام والمسيحية واليهودية.
وعلَم مصر في العصر الملكي لم يكن علمًا ملكيًا وانما علَم الأمة أو العلم الأهلي كما سمى حينها، لأنه العلَم الذي رفعه الشعب أثناء ثورة 1919 أي علم لم يرفعه حاكم أو جيش كالعلم الحالي، وقد استمر هذا العلَم رمزًا لمصر حتى بعد قيام الجمهورية إلى العام 1958م عندما اتحدت مصر مع سوريا وظهر لأول مرة العلَم الحالي ذو الألوان الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود، وكان المصريون يعتزون بهذا العلم ومن مظاهر هذا الاعتزاز أن هذا العلم أحد الأعلام التي رفعها الشعب في ثورة 1919، وتحت هذا العلم خاض الشعب المصري كل معاركه ضد الاحتلال البريطاني بعد ثورة 1919، فهو العلم الذي رفعه أبناء الشعب في مظاهراتهم ضد الإنجليز واستشهد عبد الحكم الجراحي وهو يحمله سنة 1935، وهو العلم الذي رفعه الطلبة والعمال في سنة 1946 ولف نعوش شهداء معارك القناة في سنتي 1951 و1952، وهو العلم الذي رفع على قاعدة القناة بعد جلاء القوات البريطانية عنها وعلى مبنى قناة السويس بعد تأميمها، وخاض تحته الشعب في بورسعيد معركته ضد العدوان الثلاثي سنة 1956 في عهد جمال عبد الناصر.
وقد اعتاد المصريون في العقود الأولى من القرن العشرين على "تعليق" الأعلام في أفراحهم، وبدأت هذه الظاهرة الاجتماعية في الانقراض مع ظهور العلم الجديد بشكله الحالي (أحمر، أبيض، أسود) لاعتبارهم اللون الأسود نذير شؤم لا يصح تعليقه في الأفراح إلى أن انتهت هذه الظاهرة تمامًا.
ورغم انتهاء استعمال العلم الأهلي المصري رسميًا، فإن الفرق الشعبية، خاصة الفرق النحاسية وأيضًا الفرق الموسيقية فى الأفراح، مازالت تستخدمه إلى الآن، ولقد اهتم المصريين بالعلم بشكله الحالي بعد انتصارات أكتوبر 1973م تعبيرًا عن فرحهم بالنصر، إلا أن اهتمامهم بالعلم الحالي لم يكن كمثل العلم الأهلي، حيث اقتصر رفعه في ذكرى حرب أكتوبر، ورفعته الجماهير في مباريات كرة القدم تؤازر به منتخب مصر، وقد عاد اهتمام المصريين بالعلم أثناء اندلاع ثورة 25 يناير، حيث رفعته كل طوائف الشعب في كل ميادين الجمهورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.