يعتقد البعض أن مهنة عمال التنظيف بسيطة، لكنها في الحقيقة تتطلب جهدًا كبيرًا بالنسبة لهؤلاء العاملين الذين تواجههم مصاعب كبيرة ومعاناة حقيقية، خاصة أنهم يحرصون على تنظيف جميع الأحياء على الرغم من أنهم أول من يصطدم بالسلوكيات السلبية للمواطنين في الحفاظ على نظافة محيطهم، فالكثيرون منهم قضوا سنوات طويلة بهذه المهنة الشريفة التي ينظر إليها البعض على أنها لا تعود بأية قيمة لصاحبها، ولكنهم تأقلموا معها على الرغم من متاعبها من أجل كسب قوت يومهم، ولكن ما يميّز العديد منهم أنهم صاروا لا يستطيعون الاستغناء عن هذه المهنة، وصاروا يعدّونها بمثابة واجب عليهم تأديته لفائدة وطنهم، بل أن البعض منهم من حملة الشهادات المتوسطة والاعدادية، الذين لجئوا لهذه المهنة بالرغم من النظرة الاجتماعية غير اللائقة تجاه عمال النظافة، وإن لم تكن بمستوى الطموح، إلا أن عملهم له لمسات واضحة في مجال النظافة. وكانت لي تجربة شخصية رأيتها بنفسي مع موضوع القمامة وتحديدًا بشارع فيصل فقد كانت القمامة ومازالت تلقى في شوارع فيصل سواءً الشوارع الجانبية أو الرئيسية لعدم توافر الصناديق، وأثناء مروري بالشارع مساءً وجدت التليفزيون المصري يصور تقريرا عن الموضوع، ويلتقي بالمواطنين لكي يتحدثوا عن نظافة الشارع، ووجدت مكان إلقاء القمامة في الجانب الآخر ثلاث عربات لإزالة القمامة فقررت أن أتجه إليهم كي أسالهم عن سبب تواجدهم في هذا الوقت وعلى غير العادة بالشارع فذكروا لي "قالولنا انزلوا عشان في تصوير مع التليفزيون فنزلنا بس مش عارفين فيه إيه" في حين أن المذيع ظل يتحدث عشر دقائق عن المجهود المستمر المبذول من قبل الحكومة وعمال النظافة كي يصل شارع فيصل إلى هذا المستوى، ولا أعلم حتى الآن أي مستوى يقصد!. الأهم من ذلك أنني في اليوم التالي مباشرةً وجدت نفس كومة الزبالة بنفس المكان لأن المواطنين لا يجدون صناديق يلقون بها ولا أعلم لماذا أيضًا لا تتوافر تلك الصناديق، فالمشكلة ليست مشكلة عامل أو مواطن أو حكومة بل إنها مشكلة تضافر كل تلك الجهود كي يتقدم هذا المجتمع وعلى الأقل لا نعيش بمجتمع ملىء بالأمراض بسبب القمامة أيضًا، فالبعض يحتقر مهنة عامل النظافة بالرغم من أنه يمارس مهنة سامية ونبيلة، وهي النظافة، والنظافة من الإيمان، لذلك فهي مهنة شريفة، ومزاولها بلا شك يقوم بدور كبير في نظافة الشوارع والساحات، ويوفر لنا بيئة نظيفة نقية خالية من الأمراض والتلوث. وخلال حديثي مع أحدهم ذكر لي أنهم يبحثون في القمامة على مواد صالحة للبيع، فضلا عن مزاولة أعمالهم وذلك بسبب انخفاض أجورهم وأضاف: "آخر النهار وعند انتهاء الدوام الرسمي نفرز المواد التي نجمعها عن غيرها في أكياس كبيرة ونبيعها بالسوق، مما يشكل دخلا إضافيا إلى رواتبنا المتواضعة التي نتقاضاها"، فضلًا عن ذلك.. فيجب على أصحاب الشركات والعاملين في القطاعات الأخرى النظر إلى عمال النظافة بطابع إنساني؛ لأنهم يبقون أولًا وأخيرًا عاملًا أساسيًا في راحتك النفسية للمكان حولك وإذا لم تلحظ ذلك فعليك النظر حولك إذا تغيب عامل النظافة "office boy" عن مكان عملك ليوم أو اثنين كيف ستجد المكان؟ بماذا سوف تشعر أو تفتقد كي تعرف مدى أهمية عملهم. وفي ظل الغلاء الفاحش الذي بدأ يستفحل كل حيثيات لوازم معيشتنا والذي تسلل إلى المأكل والمشرب وفواتير الغاز والمياه والكهرباء بل وصولا إلى تذكرة مترو الأنفاق، كيف لهذا العامل البسيط الذي يعمل بمرتب "لا يسمن ولا يغني من جوع" وغير كافٍ للحاجات الأساسية للأسرة وقيمة الإيجار والماء والكهرباء، فأصبح لا يكفيه دخله لاستكمل مصاريف الشهر الإلزامية والتي هي دون أدنى مستوى من الرفاهية، أليس من حق المواطن البسيط أن يخرج للتنزه مع أسرته أو يحاول أن يدخر جزءا من دخله لأي ظرف طارئ يحدث له، ومع عدم زيادة رواتبهم جعلهم يتسولون من المارة بالشارع! إلى أين سيصل بنا وبهؤلاء البسطاء هذا المجتمع، في تصوري فإن ثورة الجياع آتية لا محالة وفي أقرب وقت ممكن فلم يعد للمواطن أدني سبب للبحث عن الأمان أو الاستقرار، فالحياة أصبحت مستحيلة. عمال النظافة في الشوارع قد يتعرضون للخطر بسبب العمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، وربما الوفاة، أو حتمًا الإصابة بأمراض خطيرة، وتزداد معاناتهم مع هطول الأمطار، نظرًا لعدم وجود شبكات لتصريف المياه، فما إن ينتهي من تنظيف الشارع يعود كما كان من حيث حجم الأوساخ، ما يزيد من المعاناة التي يتكبدها عمال النظافة، كما أن معاناتهم الأخرى تتمثل في عملهم الشاق والمجهد في نظافة الشوارع وإزالة المخلفات، أضف إلى ذلك معاملة بعض أبناء المجتمع لهم معاملة دونية، حيث يتعرضون للكلام البذيء والجارح أو الكلام العنصري. وأضاف أحد عمال النظافة، أنه يعتز بعمله وببدلته التي يلبسها، لكنه لا يستطيع أن يخفي آلامه اتجاه معاملة الناس فيقول: نحن نعمل لخدمة الناس، ونبذل كثيرًا من الجُهد، غير أنهم لا يشعرون بنا، ولا يقدرون أعمالنا، وينظرون إلينا باحتقار، ويضيف: أنهم يعملون بمرتبات "لا تسمن ولا تغني من جوع" لا يوازي حجم التعب والمعاناة، التي ترتبط بعقود مع الوزارات والهيئات والمرافق الحكومية الخدماتية والشركات الكبرى كالمطارات وغيرها، كما أنها حتمًا غير كافية للحاجات الأساسية للأسرة، ويشتغل العامل منهم وهو لا يعرف من أين سيدبّر مصاريف المعيشة طيلة شهر، وعلى الرغم من رواتب العمال الشحيحة مقابل ساعات عمل مجهدة تحت حرارة الشمس وصقيع البرد، فهم يعانون من المعاملة الإدارية القاسية ضدهم. عامل النظافة هو الشخص الذي يستحق من عندنا كامل الاحترام والتقدير، كيف لا وهو من يسهر جاهدا على نظافة وحسن مظهر البيئة التي نعيش فيها، وهو المسئول عن تنظيف أحيائنا السكنية، فهنيئا لك شرف النظافة أيها الرجل، يكفي أن النظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان،لكن ما بدر في ذهني هو نظرة المجتمع لهذا الشخص الذي يستحق منا تاج الرفعة والسمو، ولكن للأسف، فبدلا من إسماعه كلمات شكر وتقدير، إلا أننا نجد العامل دائما يتهرب من المجتمع لما يسمعه من كلام قاس، كما أن أطفاله وعائلته في أتم الاستحياء من مهنة الوالد، لما كل هذا؟، ألسنا شعوبا مسلمة؟، أليس مهنة عامل النظافة شريفة؟، ألم نخلق في هذه الدنيا ليكمل بعضنا بعضا؟، وأضاف على المجتمع تحسين النظرة الاجتماعية تجاه عمال النظافة، وعلى الحكومة دعم العمال وتثبيتهم لأنهم يبخلون بكل شيء في سبيل تأدية عملهم.