هناك فوارق واضحة بين العمليات التي تنفذها الذئاب المنفردة في الدول الغربية، وتلك التي تنفذها الدولة الإسلامية (داعش) في تلك الدول وفي غيرها من الدول وتسميها غزوات، مذكرة بالغزوات لنشر الدين الإسلامي في زمن آخر الأنبياء والرسل النبي محمد (ص) ، وبعده. الفارق في الحجم والنتائج النتائج التي تؤدي إليها عمليات الذئاب المنفردة، تظل عمليات محدودة من حيث الحجم والنتائج، مقارنة بما تؤدي اليه عملية تنفذها الدولة الإسلامية والمقصود بالنتائج هو عدد الضحايا التي تفرزها غزوة مدروسة لفترة ممتدة في الزمن، اذ تستغرق داعش زمنا في الاعداد لها بحرفية ومهنية واضحة، خلافا لعملية محدودة النتائج ولا يسبقها أعداد طويل وكاف من قبل منفذي عمليات الذئاب المنفردة. فغزوة "تشارلي هيبدو" في فرنسا في مطلع عام 2015، التي طالت مجلة تنشر صورا كاريكاتورية ومنها صورا مسيئة للرسول (ص)، أفرزت نسبة عالية من الضحايا وسبقها اعداد طويل، كما كشفت التحقيقات، وقد ادعى تنظيم القاعدة أنه كان وراءها، كما ادعت الدولة الإسلامية أيضا المسؤولية عنها. ومثلها عملية باريس ذات الثلاثة مواقع (أبرزها كان في مسرح باتوكلان) في نهايات عام 2015، فقد حصدت مائة وثلاثين قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى. ولم يختلف الأمر بالنسبة للعملية أو الغزوة الكبرى التي نفذتها الدولة الإسلامية في مطار ومحطة قطار في عاصمة بلجيكا عام 2016. فالمقارنة بين هذه الغزوات المتسمة بالاحتراف والتخطيط الدقيق، وما نفذته الذئاب المنفردة مؤخرا (أي في عام 2016)، يكشف عن فوارق كبرى من حيث مرحلة التخطيط والاعداد، والأهم من حيث النتائج، حيث أن معظم عمليات الذئاب المنفردة الأخيرة، قد أفرزت عددا محدودا من الضحايا قياسا بعدد ضحايا غزوات الدولة الإسلامية، اذ سبق عمليات الذئاب المنفردة دائما، اعداد قليل تنقصه الخبرة و الاحتراف. فهجمة القطار في ولاية بافاريا الألمانية قبل أسبوع تقريبا والذي استخدم فيه المهاجم ساطورا، قد أدت الى جرح خمسة لم يكونوا من المواطنين الألمان. والعملية التي نفذت في متجر للتسوق في ميونيخ، أدت الى مقتل عشرة ضحايا. والعملية الثالثة التي تبعتها في المانيا وتمثلت بقيام أحد السوريين باستخدام الساطور أيضا، أدت الى مقتل امرأة وجرح اثنين، قبل تمكن رجال الشرطة من القاء القبض عليه والحيلولة بينه وبين الحاق الأذى بآخرين. أما عملية الذئاب المنفردة الرابعة في المانيا خلال أسبوع واحد فقط، وتمثلت بقيام أحد اللاجئين السوريين بتفجير نفسه في وسط جمهور ازدحم لمشاهدة حفل موسيقي في مدينة "أأنسباخ"، فقد أفرزت جرح أحد عشر شخصا، ثلاثة منهم جراحهم خطيرة. قياس مع الفارق ولكن المقارنة على ضوء ما تفرزه عمليات الذئاب المنفردة من ضحايا قليلة العدد نسبيا، مع تلك التي تفرزها غزوات داعش، قد يكون قياسا مع الفارق. ذلك أن بعض عمليات الذئاب المنفردة، قد أنتجت أيضا وقوع عدد كبير من الضحايا، ومثالها الهجمة التي نفذت في أورلاندو قبل شهرين، اذ أدت الى مقتل 49 من رواد الملهى الليلي الذي هوجم. ومثلها عملية مدينة نيس الفرنسية في الرابع عشر من تموز (يوليو)، قد شكلت مذبحة بكل معنى الكلمة، اذ أفرزت مقتل 84 انسانا بريئا وجرحت أكثر من مائتين، دهستهم شاحنة تبريد وهم يتسكعون على رصيف الشارع وليس في منتصفه. ومثلها المقارنة بالنسبة للإعداد والتخطيط الذي تمارسه الدولة الإسلامية، قبل تنفيذ غزواتها الكبرى في خارج منطقة ولايتها الجغرافية. اذ يستغرق الاعداد لغزوات الدولة الإسلامية فترة زمنية طويلة، وتشرك في تنفيذ العملية عدة عناصر وليس عنصرا واحدا كما يحدث في حالات الذئاب المنفردة التي ينفذها شخص واحد فقط بمفرده وبعد تخطيط قصير المدى، رغم أن التحقيقات قد كشفت بأن المهاجم المنفرد في ميونيخ ربما كان يفكر في تنفيذ تلك العملية منذ عام تقريبا. كما أظهرت التحقيقات حول عملية مدينة نيس، بأن منفذ العملية قد تردد مرارا على الشارع الرئيسي في المدينة والذي تمت فيها عملية الدهس، ودرس احتمالات وكيفية تنفيذ ما ينوي تنفيذه خصوصا وأن الشارع مخصص للمشاة، ولم يكن من المفترض أن تتمكن شاحنة من دخوله. ومثل هذا وذاك، كان وضع منفذ عملية الملهى الليلي في اورلاندو، اذ تردد عليه المهاجم مرارا قبل تنفيذ العملية، كما ذكر لزوجته أكثر من مرة، توجهه لمهاجمة الملهى الذي يتردد عليه مثليون، ويقال بأن المهاجم كان واحدا منهم. الفارق الجوهري بين منفذي عمليات الذئاب المنفردة ومنفذي غزوات الدولة الإسلامية. منفذو غزوات الدولة الإسلامية، هم في الغالب أعضاء منظمون ومنتمون رسميا للدولة الإسلامية. وهم اما منطلقون من الرقة او الموصل حيث توجد قيادات الدولة، أو هم مواطنون مقيمون في الدولة التي ستنفذ الغزوة على أراضيها، بل وفي أغلب الأحيان يحملون جنسيتها كما كان الحال بالنسبة للمهاجمين في مسرح باتكلان الباريسي، أو المهاجمين في مطار ومحطة قطار في بلجيكا. ولكنهم رغم تواجدهم بعيدا عن المنطقة الجغرافية التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، يكونون قد اعتنقوا مذهبها وأفكارها، وانتظموا رسميا في صفوفها، وكانوا على اتصال بها، والأرجح تزودوا أيضا منها أو من مصادرها، بالتمويل اللازم وبالأسلحة وأدوات التفجير المستخدمة في تلك الغزوة. وتسبق كل غزوة، مرحلة طويلة من الدراسة للعملية وسبل تنفيذها بنجاح، والوقت الملائم لتنفيذها. ويقود الدراسة خبراء في التخطيط الاستراتيجي والاستخباري والعسكري، الأمر الذي يتسبب عادة بنتائج وضحايا كثر من الأبرياء. أما الذئاب المنفردة، فهم لا ينتمون رسميا للدولة الإسلامية، وليسوا على اتصال بها رغم كونهم متأثرين بأفكارها وطروحاتها، وحضها المتواصل على كراهية الآخر غير المنتمي لصفوفها أو لعقيدتها. وهم منفردون بعملهم بكل معنى الكلمة. اذ يقومون بالتخطيط لعمليتهم بشكل منفرد، ويمولون عمليتهم تلك وما تحتاجه من شراء أسلحة أو خلافه من أدوات التنفيذ، من أمولهم الخاصة. وهذا ما يفسر لجوء المهاجم في قطار بافاريا الألمانية، الى استخدام الساطور والفأس في هجومه ذاك. فمرد ضعف ومحدودية السلاح المستخدم، ناتج عن ضعف موارده المالية. ومثلهم كان المهاجم الآخر في العملية الثالثة خلال أسبوع واحد في المانيا. اذ استخدم الساطور (ربما أيضا نظرا لضعف موارده المالية)، لقتل امرأة وجرح اثنين من المارة قبل أن يسيطر عليه رجال الشرطة الألمانية. وذلك عكس المهاجم في ميونيخ، حيث استخدم رشاشا حربيا تمكن من شرائه بأمواله الخاصة التي وفرتها له حقيقة انتمائه لأسرة ثرية. وفي دكا، عاصمة بنغلادش، استخدم المهاجمون الذين أثبتت التحقيقات عدم انتمائهم للدولة الإسلامية وانفرادهم بذاك العمل من تلقاء أنفسهم، استخدموا أسلحة رشاشة نظرا لقدراتهم المالية الكبيرة الناتجة عن كونهم ينتمون لأسر ثرية جدا. أذن الذئاب المنفردة تعمل دائما بشكل مستقل ومنفرد، ولذا جاز إطلاق تسمية الذئاب المنفردة عليهم كما سبق وكررت. دوافع الذئاب المنفردة وأهداف غزوات الدولة الإسلامية أهداف الدولة الإسلامية من وراء غزواتها في الدول الغربية، واضحة ومكشوفة بل ومفهومة حتى ولو لم تعلنها رسميا. فهي تسعى من ورائها للانتقام من الدول التي شاركت في التحالف الأميركي ضدها، وأيضا تحاول تشكيك شعوب تلك الدول بجدوى مشاركة حكومتهم بمقاتلة الدولة الإسلامية. كما تسعى لإثارة الرعب في نفوس شعب تلك الدول، كخطوة ممهدة لتطلعهم لتحقيق طموحهم بالسيطرة على تلك الدول مستقبلا، تطبيقا لتطلعهم بنشر فكرهم ونفوذهم عبر الغزوات، على مساحة جغرافية واسعة في العالم، اقتداء بما حصل قبل أربعة عشر قرنا، عندما نفذ أنصار الرسول (ص) غزوات على دول الجوار التي سيطرت عليها آنذاك الامبراطوريتين الرومانية والفارسية. أما دوافع الذئاب المنفردة، فهي في أغلب الأحيان محدودة. فرغم كونهم معتنقون لأفكار ومعتقدات الدولة الإسلامية ومتأثرين بها، فان بعض العامل الشخصي قد يتدخل فيها. وقيل بأن الدافع الشخصي للمهاجم في ميونيخ، كان الانتقام من معاملة أقرانه له خلال طفولته، وتعاملهم معه بقسوة وازدراء تحط من كرامته. كما قيل بأن الدوافع الشخصية التي حثت المهاجم في أورلاندو، قد نبعت من كونه لوطيا مثليا، وكره ما مارسه من أعمال مشينة مع بعضهم، أو مارسها بعضهم معه، فأراد الانتقام. وأثيرت شكوك حول الحالة النفسية والعقلية لمنفذ هجوم نيس. ومثلها الأسباب الشخصية لمنفذ الهجوم الأخير في مدينة اتسباخ الألمانية، اذ قيل بأنه كان مهددا بالترحيل الى بلغاريا بعد رفض طلبه للجوء الى المانيا، وهو رفض يرجح أن يكون مرده عدم الاطمئنان الألماني لتوجهاته، والخشية من كونه أحد المنتمين للدولة الإسلامية الذين وردوا على الدول الغربية في ظلال عمليات اللجوء الانساني. وقد يكون في هذا التفسير مبررا معقولا الى حد ما. لكنه لا يفسر لما لم تكن تقع أحداثا كهذه (مثلا استخدام ساطور للقتل وعمليات دهس بالسيارة) في الزمن السابق على ظهور الدولة الإسلامية؟ والواقع أن الحالات النفسية والعقلية، قد يكون لها حقا دور ما فيما يحدث الآن في العصر الحديث من عمليات قتل بشعة تؤدي لإزهاق أرواح بريئة على يد من يسمون بالذئاب المنفردة. اذ تجعل أولئك المرضى النفسيين أكثر استعدادا لتقبل بيسر وسهولة، الدعوات للكراهية، والأفكار التي تحض على العنف التي تطلقها يوميا الدولة الإسلامية عبر الشبكة العنكبوتية (النت)، وذلك منذ ظهورها للعلن باسم داعش ابتداء من منتصف عام 2013، بعد أن كانت تسمى سابقا بدولة العراق الإسلامية التي كانت حتى ذلك الوقت محدودة النشاط والظهور بالمظهر الشرس الذي تجلت به لدى تحولها الى داعش. ولا تفسر أيضا، لما لم يقم الا نادرا بتنفيذ أعمال مشابهة، مواطنون آخرون في تلك الدول، يعانون من حالات نفسية وعقلية مشابهة، لكن انتموا لطوائف مسيحية أو غيرها من الطوائف غير الإسلامية. فالملاحظ بوضوح، أن منفذي هذه العمليات الأخيرة خصوصا، كانوا جميعا ينتمون الى دول شرق أوسطية كايران وأفغانستان وتونس وغيرها من دول المنطقة الشرق أوسطية، كما كانوا جميعا ينتمون للطائفة الإسلامية، فلم يكن أي منهم ينتمي الى الطائفة المسيحية أو البوذية أو اليهودية أو الهندوسية، بل كانوا جميعا مسلمين راغبين ومهيئين لمتابعة دعوات الدولة الإسلامية والتأثر بها. فهذه كانت حالة من نفذ كل هذه العمليات سواء الحديثة منها أو القديمة، كحادثة التفجير خلال سباق رياضي في مدينة بوسطن عام 2014 . اذ نفذه أخوان مسلمان من أصل أفغاني. ومثلهم حادثة مهاجمة موقع صحي في مدينة برناردينو الأميركية عندما قتل 14 أميركيا. اذ كان المنفذان من أصل ايراني، وهما زوج وزوجته تركا ابنتهما الطفلة وحيدة في المنزل وذهبا ليلبيا دعوة غير مباشرة تلقاها الزوجان نتيجة متابعتهما لتوجيهات ودعوات الدولة الإسلامية العتيدة. ولا أستبعد أن الأمر كان كذلك بالنسبة لثلاثة فرنسيين من أصل جزائري أو مغربي، هاجموا (بدون تنسيق بينهم أو معرفة بعضهم ببعض وخلال ثلاثة ايام متتالية هي 20، 21، و22 ديسمبر 2014)، مواطنين فرنسيين في جنوبفرنسا. وقد هاجم الأول رجال شرطة مستخدما خنجرا فجرح ثلاثة منهم قبل مقتله. وهاجم الثاني عددا من المارة مستخدما شاحنة، فدهس عشرة أشخاص. وهاجم الثالث أيضا بسيارة كبيرة المجتمعين في الأسواق لشراء احتياجاتهم لعيد كريسماس، فدهس أحد عشر شخصا. ولكن رغم عدم معرفة أحدهم بالآخر، فقد جمع بن ثلاثتهم أمر واحد، وهو كونهم كانوا يصيحون خلال هجماتهم عبارة "الله وأكبر".