ذكر الله تعالى علينا قصة أصحاب السبت في كتابه العزيز، فقال: «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» الأعراف/ 163 – 166. وقال العلماء في تفسير الآية أن الله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل «عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ» أي: على ساحله في حال تعديهم وعقاب الله إياهم. وأضاف العلماء أن قوله تعالى (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) أن الله تعالى كان قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدًا، فابتلاهم الله وامتحنهم، فكانت الحيتان تأتيهم «يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا» أي: كثيرة طافية على وجه البحر. «وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ» أي: إذا ذهب يوم السبت «لا تَأْتِيهِمْ» أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا «كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم الله، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم الله، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرًا، وينصبون لها الشباك. وتابع: فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك، لم يأخذوها في ذلك اليوم، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق: معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك، وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم، وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم، وقالوا لهم: «لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا» كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله، إما بهلاك أو عذاب شديد. واستطرد المفسرون: فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ) أي: لنعذر فيهم. (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم ، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم، (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) أي: تركوا ما ذكروا به، واستمروا على غيهم واعتدائهم، (أَنْجَيْنَا) من العذاب (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وهكذا سنة الله في عباده ، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم الذين اعتدوا في السبت (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ) أي: شديد (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ). واختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم، والظاهر أنهم كانوا من الناجين، لأن الله خص الهلاك بالظالمين، وهو لم يذكر أنهم ظالمون، فقال السعدي في تفسيره" (ص 306): فدل على أن العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، فاكتفوا بإنكار أولئك، ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) فأبدوا من غضبهم عليهم ، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم، وأن الله سيعاقبهم أشد العقوبة. (فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ) أي: قسوا فلم يلينوا، ولا اتعظوا، (قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فانقلبوا بإذن الله قردة، وأبعدهم الله من رحمته" وقال ابن كثير في "تفسير ابن كثير" (3/ 494): "أخبرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: ....فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ، وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيهِمْ: هَلْ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ أَوْ مِنَ النَّاجِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) فِيهِ دَلَالَةٌ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ بَقوا نَجَوْا" وذكر ابن كثير أيضا " البداية والنهاية " (2/ 584): "اخْتَلَفَ فِيهِمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ النَّاجِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ الْهَالِكِينَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِين َ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، إِمَامُ الْمُفَسِّرِينَ".