في الوقت الذي سعت فيه روسيا إلى تثبيت أقدامها في المياه الدافئة تجاه المنطقة العربية وبالتحديد بالقرب من سوريا وحققت نجاحات وصفها المحللون السياسيين بأنها مذهلة في وقت قصير قياسا بالتطورات السياسية التي كان يسير عليها الأب الشرعي لها "الاتحاد السوفيتي"، وفرضت بالفعل تواجدا في الأزمة السورية وأصبحت ندا وطرفا رئيسيا في حل الأزمة ولا يمكن أن يصل الأطراف المتصارعة على الجسد السوري المنهك إلا بعد موافقة روسية ومباركة أمريكية أوروبية، نجد أن روسيا أصبحت في موقف لا تحسد عليه بعد أن اقترب حلف الناتو من حدودها في البحر الأسود وبدأ منذ أيام قليلة في إجراء أكبر مناورات عسكرية يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى. - يشارك في مناورات حلف الناتو أو مناورات " أناكوندا " كما يطلق عليها 31 ألف جندي من 24 بلدا من بينهم 14 ألف جندي من الولاياتالمتحدةالأمريكية و12 ألف جندي من بولندا وألف جندي من بريطانيا إضافة إلى جنود من دول "شراكة من أجل السلام" وهي الجمهوريات السوفيتية السابقة، ومن بينها أوكرانيا الجار الأول لروسيا والمتنازع معها علي جزيرة القرم بجانب نشر 500 من عناصر المظليين من قوات الرد السريع التي تنتشر في مساحة 7200 كيلو متر خلال 24 ساعة فقط بجانب وجود قاعدة "فورت براج" في شمال كارولينا والتي تعتبر أكبر قاعدة عسكرية في العالم، في محاولة لتخويف الدب الروسي الذي تمرد مؤخرا على العيش في الجليد وأراد ان يتمددا بعيدا عن شواطئه الجليدية، لكن المناورات التي بدأت الثلاثاء الماضي أثارت مخاوف وغضب الكرملين في وقت واحد وخلاف وتحذيرات عسكرية ودبلوماسية غربية بعد وصفهم لهذه المناورات بأنها استفزاز صريح وصارخ لروسيا محذرين من رد روسي محتمل بحجة الدفاع عن أمن بلادهم رغم تأكيدات القائد العام للقوات الأميركية في أوروبا "هودجز" بأن هذه المناورات للدفاع فقط لوقف تزايد أعمال روسيا العدائية ضد أوربا الشرقية وأن الأمر لا يستحق القلق كما يقول القائد العام للوات الأمريكية المشاركة في المناورات. وتأتي مناورات "أناكوندا" قبل شهر من القمة التي سيعقدها حلف الناتو في العاصمة البولندية "وارسو" لمناقشة الأعمال العدائية التي يقوم بها الجانب الروسي في أوروبا الشرقية منذ ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014م في الوقت التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بان هذه المناورات تدل علي فقدان الثقة بين الجانب الروسي وحلف الناتو وأنها تزيد من نقص الثقة بين الطرفين ولا تغذي مفهوم الأمن والاستقرار في العالم كله في إشارة إلى أن هناك أطرافا أخرى لن تسمح بالوقوف موقف المتفرج في حالة تطور الأحداث. - في الوقت الذي أعلنت فيه روسيا بأنها ستتخذ خطوات قاسية للرد على أي تهديد محتمل من جانب حلف الناتو علي لسان عضو لجنة الدفاع بمجلس الدوما الروسي اندريه كراسوف الذي أكد أن وزارة الدفاع الروسية تبذل كل الجهود لضمان أمن البلاد في منطقة البحر الأسود وتقوم روسيا بتنظيم مناورات بحرية مشتركة مع استخدام القوات الجوية والبرية ليكون ذلك بمثابة الرد على وجود سفن الناتو في هذه المنطقة التي تحولت الي ملتهبة تنتظر عاصفة أو كرة النار التي تلقي علي أحد الطرفين ليبدأ العالم حرب عالمية ثالثة بجانب مشاركة دول أخري صديقة لروسيا في المناورات الروسية المقابلة لمناورات حلف الناتو. - لكنني أعتقد أن المناورات التي يقوم بها حاليا حلف الأطلسي "الناتو" لن تتعدي كونها محاولة لاستعراض القوة وفرض العضلات أمام الدب الروسي ومحاولة تهديد مباشرة للرئيس الروس فلاديمير بوتين، وأن زيادة القوات بهذا الحجم عبارة عن تذكير صريح له بأن الحلف يتوسع ومستعد لردع اي تهديدات محتملة في بحر البلطيق وهو الأمر الذي أكد عليه قائد القوات الأمريكية في هذه المناورات والذي قال بالحرف " أننا يجب أن نكون مستعدين لردع فعلي للتهديد الروسي وأن زيادة القوات في بحر البلطيق أصبح أمر واقع خاصة مع استعداد السويد وفلندا السماح بنشر قوات الحلف على أراضيها بصورة دائمة وهو الأمر الذي يزيد من تعقيد الأمور في هذه المنطقة الإستراتيجية من الكرة الأرضية و يؤكد أن إجراء تدريبات بهذا الحجم في منطقة بحر البلطيق، من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة و تضع العالم كله على حافة نزاع مسلح وسباق محموم لتجهيز وتخزين ترسانات من الأسلحة لمواجهة خطر الحرب العالمية الثالثة التي بدأت ترسم ملامحها خلال هذه المرحلة مع زيادة العنف في منطقة الشرق الأوسط وفشل ثورات الربيع العربي التي كانت تحلم بها أوروبا وأمريكا في تغيير المنطقة العربية كما تريدها، وزيادة التوتر بين روسيا وحلفائها من جانب وأمريكا وحلف الناتو من جانب آخر. - في النهاية يجب أن نتفق علي أمر مهم للغاية وهو أن العالم يمر خلال هذه المرحلة التاريخية بما يسمي سباق التسلح المجنون خوفا من اندلاع حرب محتملة وأن الأرض أصبحت خصبة أكثر من اي وقت مضي لنشوب حرب مسلحة بعد صحوة الدب الروسي ورفضه وجود قطب واحد يقود العالم في الوقت الذي ترفض فيه الهيمنة الأمريكية فكرة عودة القطب العائد لمشاركتها في قيادة العالم وفشلها في إدارة أزمات كثيرة حول العالم وانحيازها الأعمى للكيان الصهيوني الذي تناصره ذهابا وإيابا وتشجيعها بناء دولة مزعومة علي أنقاض الدولة الفلسطينية التي يمتد بها التاريخ مع نشأة الكون ، أحلام أمريكا والغرب قد تتبخر أمام إصرار وعناد القوة الروسية التي عادت سريعا إلى مسرح الأحداث العالمية وتمرد بعض القوي علي سياسيتها واستعدادها التام في الخروج من بيت الطاعة الأمريكي مثل الدولة المصرية الجديدة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم واتجاهه إلي تغيير منظومة التسليح وتعدد مصادره بدلا من الاعتماد في الماضي علي مصدر واحد فقط فأصبحت مصر تعتمد في تسليحها الجديد علي أسواق عديدة في التسلح وهو الأمر الذي أفقد الإدارة الامريكية الحالية الكثير من أسهمها وغضب النسور الأمريكان واتهامهم للرئيس الأمريكي بارك أوبا ما بفشله في قراءة العقلية المصرية بعد ثورة يناير وخسارته الرهان علي أن الإخوان قد تستطيع سد العجز الذي تركه حليفهم السابق حسني مبارك ولكن فشلت الأحلام الأمريكية أمام إصرا الشعب المصري علي التغيير وعودة الجيش المصري سريعا واحتفاظه بكيانه وقوته بالمنطقة العربية والشرق الأوسط رغم أنه يخوض حرب شرسة ضد عدو خفي وهو الإرهاب.