اتسعت خلال الفترة القليلة الماضية هوة الخلاف بين وزارة الداخلية والعاملين فى الحقل الصحفى، وأخذ رجال الداخلية يصعدون من حدة المواجهة مع الصحفيين، ولم يوفروا فى هذا الإطار جهدا الا وبذلوه... مضايقات وتضييق أثناء العمل، تكسير كاميرات، مسح فيديوهات ، مصادرة هواتف وأجهزة كمبيوتر محمول، اعتقالات ، وحبس ، واقتحام منازل وترويع ذويهم صغارا وكبارا . ويبدو أن الداخلية وبسبب ضعف موقف نقابة الصحفيين تجاه تلك المضايقات والتى وصلت إلى حد محاصرة النقابة ومنع الصحفيين من دخولها ، ارتأت أن توجه ضربتها القاضية للمجتمع الصحفى بهدف تركيعه وإزلاله ومن ثم تدجينه، وهو الأمر الذى سيصب فى صالح إشاعة الرعب والخوف أيضا فى نفوس باقى النقابات المهنية وأولهم دون شك نقابة الأطباء ومن بعدها المحامين وباقى النقابات المهنية . لكن ما هى الدوافع التى جعلت وزارة الداخلية تقوم بكل هذه الممارسات الاستفزازية ضد الصحفيين تحديدا دون غيرهم ، وما الهدف من وراء ذلك التصعيد ؟! يبدو الأمر شديد الوضوح والبساطة، ورغم ذلك لم يلتفت إليه أحد منا ، فجميعنا ركزنا فقط على ممارسات الداخلية ولم نلتفت أو نبحث عن السبب . الأزمة وتصاعدها بدأت مع اختيار مجلس النقابة الحالى ، ما يعنى أن الدولة لم ترض عن اختيار يحيى قلاش نقيبا للصحفيين، كما أن لديها ملاحظات على عدد من أعضاء مجلس النقابة ، ولهذا لم يتم أى لقاء بين نقيب الصحفيين ومؤسسة الرئاسة التى دائما ما تلتقى بنقيب الصحفيين فور توليه منصبه كإجراء روتينى على مدى تاريخ النقابة. فالرئيس عبدالفتاح السيسى فضل أن يلتقى بوفد من الألتراس عن أن يلتقى بنقيب الصحفيين ، كما أنه حضر شخصيا احتفال القضاة بماسيتهم لكنه تجاهل دعوة نقابة الصحفيين لحضور احتفالها بعيدها الماسى الذى كان قبل ماسية القضاة بإيام قليلة ، الدولة رفضت المساعدة فى حل أزمة الصحف الحزبية وصحفييها العاطلين عن العمل تحت زعم أن مجلس النقابة تحول عن ممارسة العمل النقابى إلى العمل السياسى ... رسائل كلها تصب فى اتجاه رفض التعامل مع هذا المجلس ، والتلميح بضرورة التغيير ، ولما لم يحرك الصحفيون ساكنا قررت الدولة التحرك على طريقتها عبر استهداف الصحفيين ومضايقاتهم أثناء أداء عملهم . ومن أجل التعجيل بتغيير الوضع كان التصعيد وإحراج النقيب والمجلس ، وإظهارهم بمظهر الضعفاء العجزة ، وهو مانجحوا بامتياز فى تصديره لنا كأعضاء نقابة الصحفيين ، خصوصا عندما قامت قوات الأمن باقتحام مقر النقابة ، الذى أعقبته مباشرة دعوة من أجل جمع توقيعات لإقالة قلاش ومجلسه ، وانتخاب مجلس جديد للنقابة ، على قاعدة أن العمل النقابى عملا اجتماعيا خدميا لا علاقة له إطلاقا بالعمل السياسى الذى يجب أن يتم خارج حدود العمل النقابى ومقره . ورغم أنها دعوة حق يراد بها باطل ، ومع تحفظى شخصيا على قلاش ومجلسه ، لكننى أرى أن عملية اختيار مجلس النقابة – أى نقابة - هى مسألة خاصة بأبناء المهنة لايحق لأحد مهما كان أن يتدخل فيها ، وأن النقابيين وحدهم أصحاب الحق فى اختيار من يرونه مناسبا لذلك المنصب ، وهو اختيار يجب أن يحترم . أما العمل على تغيير الوضع بتلك الطريقة ، ومحاولة تركيع النقابيين ، والنيل من مكانتهم الاجتماعية ، وتقليب الجماهير ضدهم ، مثلما سبق وأن حدث مع نقابة الأطباء فلن يأتى بالنتائج المرجوة . فبالأمس كانت نقابة الأطباء ، واليوم الصحفيين ، وغدا ربما المحامين أو غيرها من النقابات ، وهنا علينا أن نتذكر جميعا تلك الحكمة القديمة " أكلت يوم أكل الثور الأبيض" .