غالبيتنا لديه الولع بتفاصيل حياة الآخر، خاصة عندما يكون الآخر شخصية مشهورة، فنان، سياسي، شخصية عامة، وعندما نعجز عن استحضار ما يفعله الآخرون من أخطاء، نتحدث عن بعضنا البعض، أتذكر دائما عندما ينقطع التيار الكهربى فى منزلنا، حيث تنقطع صلتنا بالعالم التكنولوجى من حولنا ونعود إلى الالتحام الاجتماعى من جديد. وأول شيء نقوم به هو الثرثرة بلا توقف، وتستمر تلك الثرثرة بلا هوادة حتى مجيء التيار الكهربى من جديد وفى ضمير كل فرد تمن دفين ورغبة فى عدم مجيء التيار الكهربى رغبة من كل فرد فى استمالة الآخرين له بكمية الثرثرة والتجوال بلا قيود فى قول شيء ما حتى لو كان لا معنى له.
وإذا نظرنا من حولنا، لوجدنا أنفسنا نقضى على الأقل ربع يومنا بالكامل فى الثرثرة أو الاستماع لأناس من هواة الثرثرة، وتتوقف قدرة كل فرد على استمالة أكبر عدد من المريدين له أثناء الثرثرة، فهناك أشخاص بعينهم ننجذب لهم أثناء الثرثرة والقيل والقال ودائما نقول ما العائد من كل ذلك؟ فى نهاية الحديث.
ونجد من منظور علم النفس الاجتماعى أن الثرثرة سمة أساسية من سمات التفاعل المتبادل بين الآباء والأبناء والعشاق والأصدقاء، جميعهم على استعداد لقضاء الساعات من المداعبة والاتصال اللفظى كجزء أساسي من إيقاع الحياة الاجتماعية، فاللغة المتبادلة بيننا كبشر تسمح بتبادل الخبرات والمعلومات من خلال تجارب الآخرين، ما يساهم بشكل كبير فى توسيع دائرة معارفنا الاجتماعية، وعندما نسترق السمع لمحادثة تدور بجوارنا سواء فى هاتف محمول أو بين أفراد سوف نجد أن معظم محادثاتنا متعلقة بالأعمال الاجتماعية، بعضها يخصنا أحيانا وأحيانا يخص أشخاصا آخرين لدينا صلة بهم.
وتختلف الموضوعات المفضلة فى المحادثة عند الرجال عن السيدات اختلافا جذريا، حسب طبيعة المرحلة العمرية والدور الذى يقوم به كل منهم، فنجد النساء أكثر ثرثرة على شبكة العلاقات الاجتماعية والأبناء والأزواج والطبخ، وفى المقابل نجد الرجال محادثاتهم موجهة إلى مكانتهم وإنجازاتهم وأعمالهم، فغالبا ما يتحدثون عن أنفسهم وعن معلوماتهم، فهم كما الطاووس يتباهى بشكله ومشيته خاصة عند وجود امرأة فى المكان، ونستطيع ببساطة مقارنة حديث الرجل وسط الرجال وحديثه عندما تحضر المجلس امرأة.
وسواء كان حديثا من الرجال أو ثرثرة من المرأه فهو شيء مهم وضرورى، فالمعرفة بما هو جديد عن أفعال الآخرين أمر مهم، وليس ضربا من اللغو، فهو يعتبر محورا أساسيا للتفاعل الاجتماعى، وهو الأساس الذى يبنى عليه المجتمع فى حد ذاته.
ونتذكر جميعا كم استمعنا إلى جدودنا وهم يروون لنا القصص والحكايات المسلية عن أفراد عائلتنا الحالين منهم والراحلين عن عالمنا، كم نظرنا لخبرتهم فى الحياة وتعلمنا منها وأخذنا حذرنا من بعض الأخطاء التى سبقونا فيها، العديد من هذه الروايات والقصص هي قصص تغلفها الحقيقة فى مجملها، كم أخبرتنا تلك القصص عن عائلتنا وعن مجتمعنا، بالإضافة إلى أنها تخلق معنى الانتماء لدينا، فتقاسم المعرفة فى حد ذاته علامة جيدة على الانتماء للمجتمع.
وكم هى الثرثرة مفيدة للأطفال عندما نروى لهم فنون الحكى والإلقاء والتشويق والإثارة فى سرد الحديث وبناء العلاقات الاجتماعية الإيجابية وصنع دور إيجابى فى المجالس من خلال الحديث للرجال والثرثرة للنساء.
وأخيرا كم هي الثرثرة سلبية عندما تكون سردا لعيوب الآخرين والحديث عن شرف الآخرين، فتصبح نميمة وغيبة فى حق الآخرين، وكم هى سرقة عندما نثرثر فى أماكن العمل، حتى أصبحنا نعمل 28 دقيقة فى اليوم بالكاد والباقى ثرثرة دون طائل أو فائدة، كم هي كارثية عندما نستخدمها فى محادثاتنا أثناء قيادة السيارة، ونتسبب فى كوارث على طرقنا، وكم هو الصمت أبلغ فى بعض المواقف عن الثرثرة دون طائل.