(1) يجري بأقصى طاقته، يطارده جنود يرتدون الأسود، وينتظره جنود يرتدون الأبيض، يبتسمون ويصوبون بنادقهم نحو صدره، يدور ويلتف، يُحاصر، وتطلق الرصاصات نحوه، ينبطح أرضاً ويقوم ممسكاً بيده حفنة من التراب، ينثرها في وجوههم، ويقفز من فوق أجسادهم..الشمس الخضراء تلون جسده باللون الأخضر، رصاصة تتبعه يحاول أن يتفادها لكنها تبحث عنه بجنون، تصيبه في كتفه، يسقط، فيناديه القمر الوردي: لا وقت للجراح. يقف يمسك بفرع شجرة، يضرب به الجنود، يتكاثرون عليه، فينفصل عنه ظله، فلا تؤثر به ضرباتهم ولا رصاصاتهم، يهرب ظله من بين الأقدام، يقف ناظراً للظل، ينادي عليه لكن صوته يمتنع أن يؤدي دوره، ساعده تيبس، وشعره تحول لوريقات..أصبح شجرة تقف فوق التل الأخضر. (2) يأتي كل عام زائراً للشجرة المقدسة، يطوف حولها، يقدم لها القرابين، ويلمح ظلاً يخرج من باطن الأرض يحوم حول الشجرة، ويعود لباطن الأرض مجدداً. تأتي كل حول، تضع أكاليل الزهور بجوار الشجرة المقدسة، تسعى بالوادي الأخضر، تنثر ملحاً لوليدها الذي لم يأتِ والده حتى الآن. يأتي الجنود كل سنة، يحطمون الأشجار، وينزعون الخضرة عن الوادي..يقفون عاجزين عن تحطيم الشجرة المقدسة.. الظل يطوف البلاد، يشرب من النهر الأبيض، يرسم ملامح سعيدة على وجوه الأطفال، يخترق ساحة الحكم، يقف شاخصاً إلى الصورة المجسمة للزعيم المعلقة في السماء، يكتب على الجدران: سيولد ابن الظل والشمس..يخترق الساحة المظلمة. (3) ولدت تلك الفتاة ذات الشعر الذهبي والعيون الخضراء، على كتفها وشماً مظلماً، لا تتكلم، لكن عيونها تحادث القلوب فتخترقها، ذهبت للوادي الأخضر، نادت على الظل: أنا ابنتك يا أبي. صعدت الشجرة المقدسة، رأت العالم من فوقها، سأنير العالم يا أبي. وقفت تنادي على البشر: فلتخرجوا؛ لتحرقوا الظلام، الشوارع والميادين ملكٌ لكم. نظر إليها الناس من النوافذ..أنتِ فتاةٌ، لست ابن الظل. صرخت بهم: أنا بنت الظل، فتاة النور، معي الطريق الأخضر. يخرج شعاعٌ أخضر من عينيها، يرصف طريقاً أخضرَ، يتجه نحو الساحة المظلمة..تسير وحدها، يتشجع شاباً ويسير خلفها، يناديها رجلٌ عجوزٌ: تمهلي يا بنيتي..لم نأكل طعام العشاء. تصرخ امرأة بوجهها: زوجي في السجن..سيقتلونه. تسير على الدرب الأخضر، يسير الناس خلفها، يسبقها البعض، يرتلون ترنيمة العودة، يمسك بيديها الظل، تجسد بجوارها، تربت على كتفه: لا تقسو ولا تتطرف، كن ظلاً محباً. أعطاها قلبه الأخضر، وحلق في السماء وتوارى خلف السحاب.