أكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلام المرأة كرم تكريمًا عظيمًا، وأمر الأبناء معاملة أمهاتهم بالبر والطاعة والإحسان إليها، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف. وأضاف «الجندي» ل«صدى البلد»، أن الإسلام جعل حق الأم أعظم من حق الوالد، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة. وأشار إلى أن الله تعالى أوصى في كتابه بالوالدين: «وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا» الأحقاف/15، وقوله: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» الإسراء/23، 24 . وتابع: روى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ: قَالَ: وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ارْجِعْ فَبَرَّهَا. ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا. ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ» صحيح سنن ابن ماجة. وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) . وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ». واستطرد: وجعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة، ما دام قادرا مستطيعا، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة، أو يخرجها ابنها من البيت، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب. واستكمل: وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فأوصى بها الأزواج خيرًا، وأمر بالإحسان في عشرتها، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته، وحرم أخذ مالها بغير رضاها، ومن ذلك قوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» النساء/19، وقوله تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» البقرة/228 وقوله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رواه البخاري (3331) ومسلم (1468). وقوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وألمح إلى أن الإسلام كرم المرأة بنتا، فحث على تربيتها وتعليمها، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ» رواه مسلم (2631). وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وقوله: (من جِدَته) أي من غناه. وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة، فأمر بصلة الرحم، وحث على ذلك، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» رواه ابن ماجة (3251)، وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : «مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ». وشدد على أن الإسلام رفع من شأن المرأة، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة، ومساوية له في جزاء الآخرة، ولها حق التعبير، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حق التملك، تبيع وتشتري، وترث، وتتصدق وتهب، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها، ولها حق الحياة الكريمة، لا يُعتدى عليها، ولا تُظلم، ولها حق التعليم، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها.