عند كتابة قصة الموسم الحالي من الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليج)، سيظهر اسم لاعب غير متوقع ونجم صاعد بقوة في سماء المستديرة الساحرة، إنه الجزائري رياض محرز. فبعد 29 مباراة في الموسم الماضي، كان نادي ليستر سيتي متقهقرًا في المركز الأخير وبحاجة إلى سبع نقاط لكي يطرد عن نفسه شبح الهبوط، وكانت إحصائيات محرز متواضعة للغاية: هدفان وثلاثة أخرى صنعها من أصل 20 مباراة، والآن وبعد سنة واحدة فقط، يظهر جليًا السبب الذي جعل هذا اللاعب الفذ والنادي يكتسحان غمار الدوري الممتاز، وبفضل فوزه في نهاية الأسبوع على نادي واتفورد بهدف يتيم أتى بتوقيع محرز من ضربة صاروخية بقدمه اليسرى، أصبح في جعبة ليستر سيتي ستون نقطة، متقدماً بخمس نقاط عن أقرب المنافسين. وقد خاض محرز كافة مباريات فريقه، باستثناء اثنتين فقط، وسجل فيها 15 هدفاً وصنع 11 هدفاً آخر، ولم يسجّل سوى أربعة لاعبين في الدوري الممتاز أهدافاً أكثر من هذا القناص الماهر، وهناك لاعب واحد فقط سبقه في التمريرات الحاسمة وهو نجم آرسنال مسعود أوزيل. ويرى موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا.كوم) أنه في حين توقع قلائل مثل هذا الموسم التاريخي لنادي "الثعالب" ومحرز، قال هذا المهاجم المغوار إن الأمر لم يُفاجئه، موضحا: "كنت على ثقة في أعماقي أن بوسعنا تحقيق نتائج عظيمة، قدمنا أداء جيداً السنة الماضية، لكني لستُ من صنف اللاعبين الذين يتألقون تحت الضغط، لم أسجل عدداً كافياً من الأهداف أو أقوم بتمريرات حاسمة كثيرة، ويعود الفضل في ما نحن عليه الآن لما قمتُ به وكذلك للتحسّن الإجمالي للفريق، ينتابني شعور عظيم لوجودي مع هذا الفريق، وأشعر أن زملائي يثقون بي أكثر". وُلد محرز في منطقة سارسيل في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، لأم مغربية وأب جزائري، وأظهر موهبة كروية في سن مبكرة رغم قامته البدنية المتواضعة، وانضم إلى نادي كويمبر في الدوريات الدنيا وأثبت علوّ كعبه قبل أن ينتقل إلى نادي "لو هافر" في الدرجة الثانية رغم أن كلاً من باريس سان جيرمان ومرسيليا كانا مهتمين بخدماته، وبعد أن أمضى سنوات الإعداد على دكة البدلاء، أصبح ضمن عناصر الفريق الرئيسية وأمضى عدة مواسم في دوري الدرجة الثانية. وفي يناير 2014، ضمّه نادي ليستر سيتي - الذي كان يلعب في دوري البطولة الإنجليزية (الدرجة الثانية) آنذاك - في محاولة للتقدم للدوري الممتاز، ومع نهاية الموسم، أصبح ضمن التشكيلة الأولى للفريق، حيث خاض أساسياً ستة مباريات على التوالي ليفوز الثعالب بلقب البطولة والتقدم في الموسم التالي للدوري الممتاز، وذلك للمرة الأولى في 10 سنوات. تزامن انتقاله إلى إنجلترا مع رغبة معلنة من جانبه للعب دولياً مع منتخب بلد والده، وقد كان ضمن تشكيلة الجزائر في كأس العالم بالبرازيل 2014، وخاض المباراة التي انتهت بالهزيمة على يد بلجيكا 2-1. خاض محرز مباراته الأولى في الدوري الممتاز في افتتاح الموسم الماضي، وسجّل هدفه الأول في مطلع أكتوبر، حيث كان عنصراً رئيسياً في الفريق حديث العهد في الدوري الممتاز الذي تعثر في مطلع الموسم وحصد أربعة انتصارات فقط في مبارياته ال29 الأولى، إلا أن محرز وزملاءه انتفضوا بقوة مذهلة وفازوا بسبع من آخر تسع مباريات ليحتل الفريق بشكل فاجأ كافة المراقبين المركز ال14. استمر هذا الزخم الكروي في الموسم الحالي مع إعلان الفريق تعيين المدرب الإيطالي المحنّك كلاوديو رانييري، الذي يتمتع بخبرة واسعة مع أندية عريقة مثل فيورنتينا وإنتر ميلان وفالنسيا وأتليتيكو مدريد وتشيلسي، بالإضافة إلى فترة قصيرة على رأس المنتخب اليوناني، لكن الأمر المفاجئ هو أن المدافع السابق عَمِل على تغيير أسلوب ليستر في اللعب بحيث يصبح هجومياً أكثر، وهو ما سمح لمحرز ورأس الحربة جيمي فاردي حرية استغلال المنطقة الأمامية لملعب الخصم، وقد أتت هذه الخطة بثمارها وتألق هذا الثنائي برصيد إجمالي يبلغ 34 هدفاً و15 تمريرة حاسمة. وتعد العقبة الوحيدة بالنسبة لمحرز وزملائه هي أن الخصوم أصبحوا يتعاملون الآن مع ليستر سيتي بجدية أكبر بكثير مما كان عليه الأمر الموسم الماضي، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى أن الفريق يبدو واثق الخطى نحو نيل لقب الدوري الممتاز للمرة الأولى في تاريخه. وعقّب محرز عن ذلك بالقول: "غيّرت الفرق الأخرى من نهج تعاملها معنا ومع طريقة لعبي من أجل محاولة مواجهتنا، فعلى سبيل المثال يحافظ الظهير الأيسر على موقعه في طرف الملعب لفترة أطول بدلاً من الدخول إلى قلب الدفاع، وفي بعض الأحيان، يتوجب عليّ التعامل مع لاعبين بدلاً من واحد فقط، يتوجب عليّ أن أكون ذكياً للتعامل مع الوضع الجديد". ويؤكد محرز أنه يعيش حلمه الكروي حالياً، وأنه لم يندم على الإطلاق على الانتقال من فرنسا إلى إنجلترا، مضيفا: "عوالم كثيرة تفصلنا عن فرنسا، الوضع هنا مثير للإعجاب حقاً، باختصار، الدوري الإنجليزي الممتاز هو بمكانة الدوري الأمريكي للمحترفين بكرة السلة، لكن بكرة القدم هنا، ويعتبر خوض غمار الدوري الممتاز أمام مثل هذه الجماهير وعلى مثل هذه الملاعب المثالية أمرا مذهلا، إني محظوظ للغاية". وفي النهاية، تبقى تسع جولات يمكن أن تقود ليستر سيتي إلى تحقيق الحلم الذي لم يكن أحد يتوقعه قبل أقل من عام واحد من جانب الثعالب.