قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن إندونيسيا كانت دولة رائدة فى تحقيق حلم طالما شق على الكثيرين تحقيقه، وهو توحيد العلماء فى مكان واحد يتشاورون فيه ويصلون فيه لرأى واحد ينزلون به إلى الناس، وهذه معضلة تواجه علماء الأمة الذين ينزلون الشارع بآراء مختلفة. وأضاف شيخ الأزهر خلال لقائه بمجلس العلماء الإندونيسى، بالعاصمة جاكرتا، اليوم الاثنين، أن ما نسعى إليه هو توحيد العلماء، لافتًا إلى أن الصحابة اختلفوا مع وجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يقصِ منهم أحد، فاختلف التابعون فاختلفت المذاهب، ضاربا مثلا بصلاة النبى -صلى الله عليه وسلم-، ثم النظر إلى المذاهب هل اتفقت على طريقة الصلاة؟، فالإجابة لا، فهناك اختلاف مشروع بين المذاهب كرفع اليدين وغيرها، وهل الفاتحة فى بداية الصلاة. وتابع: أنه أمر اختلفت فيه المذاهب، ولا ينكر بعضنا على بعض، وهناك عشرات من الأمثلة يضيق الوقت لذكرها، وغيرها من الخلافات المشروعة لدى المسلمين. وأكد أن الاختلاف رحمة، والمشكلة أن هذه الخلافات تحولت إلى فروق حادة نتيحة التعصب لمنهج معين وفكر معين، فتلك المذاهب التى تشددت فى أن تقصى غيرها للأسف الشديد كان وراءها دعم مالى ومعنوى، وفرقت بين المسلمين، وما يحدث الآن ثمر مر فى زرع قليل، مضيفًا أن المذاهب الأربعة تعرضت لمطاردة لصالح مذاهب معينة تم صناعتها وأغرقت الفقراء بالأموال لصالحها، ومن هنا نشأ التفسيق، الذى كثيرا ما يؤدى إلى التكفير وإسالة الدماء. وتابع: أنه لا حل إلا أن نعود إلى المنهج الصحيح لعلماء الأمة ونستلهم إرثنا الإسلامى الغنى بالخلاف المحمود، فخلافهم رحمة، فالحمد لله فإن خلافهم نعمة ورحمة، فلو لم يختلفوا لضاق الأمر وعسر علينا، مشيرا إلى أن الفقه الإسلامى تحول فى الفترة الأخيرة إلى الرأى الواحد، ومن هنا نشأ الصراع، والمعروف أن الصراع فى الدين هو صراع يؤدى إلى إراقة الدماء، فمذهب الإمام الأشعرى لا يكفر أحدًا من أهل القبلة. ولفت إلى أن الصراع الدائر الآن فى المائة عام الأخيرة يدفع ثمنه المسلمون، وللأسف فإن الذى ينفخ فى هذا الصراع ويؤججه آمن، والمطلوب توحيد العلماء واجتماعهم على الفهم الصحيح للإسلام وتفهم الرأى الآخر وعدم الإقصاء، مشيرًا إلى أن هناك بعض المذاهب التى تنفق المليارات من أجل تحويل الناس من المذاهب التى درجوا عليها مستغلين فقر الناس وبساطة ثقافتهم الدينية، فهذه المذاهب لا فرق بينها وبين حركات التبشير، فمنهجهم واحد باستغلال الدين لفرض المعتقد. وتمنى الإمام الأكبر، أن يتوحد العلماء الصوفيون والسلفيون وجميع المذاهب المخلصة للإسلام وأهله، فإن لم يتصالح العلماء فلا أمل فى تحصين المسلمين. وبين في إجابته عن سؤال الخلاف بين الشيعة والسنة، أن كل شخص يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأركان الإسلام الخمس، فهو مسلم، فالذى يؤمن بأن محمدًا ليس خاتم الأنبياء فهذا تكذيب للقرآن وليس من المسلمين، وفيما يخص الشيعة المعتدلون لا نستطيع تسجيل عليهم ملاحظة وهم مسلمون، مشيرًا إلى أن بعض الشيعة يسبون الصحابة فهم سفهاء لا يمثلون الشيعة، كما قال كبار المرجعيات الشيعية "تسخيرى". ونوه شيخ الأزهر بأن الذين يسبون الصحابة لا نستطيع أن نخرجهم من الإسلام، وهم فى ضلال، فإنكار ما علم من الدين بالضرورة يخرج من الملة فقط، وغير ذلك فهى مسائل خلافية، وتلك الخلافات ضخمها أعداء الإسلام وأنفقوا عليها المليارات، وكانت النتيجة ما يحدث فى سوريا واليمن فكلها صراعات شيعة وسنة، فربما إذا حسم ذلك الخلاف منذ البداية وأنهم أخوة ما حدث هذا. وعن التقريب بين السنة والشيعة الذى اخترعه الأزهر والشيخ شلتوت، فلا نكفر أحدا من أهل القبلة، كونه ضل فى بعض الآراء، فالتكفير خطر، ولا يملك أحد أن يكفر أحدا، والأمر يعود لأولى الأمر، مجددا دعوته لعلماء الشيعة بالالتقاء بالأزهر. واستطرد: أن تسييس الدين طبيعة الدين تأباه، فلا يصح رفع لافتة الدين لكى ينتخبنى الناس فى البرلمان، فتسييس الدين بيع للدين فى سوق السياسة، مضيفًا أن بعض مناهج التعليم فى عالمنا الإسلامى كانت تغذى الطلاب منذ طفولتهم، بأن هذا المذهب هو الصحيح، كما أن بعض مناهج التعليم كانت تغذى التطرف. واستكمل: أن هناك بعض الأمور فى التراث يجب التعقيب عليها مثلا يحرم تهنئة الكافر، فهذا الرأى قيل فى مذهب ليس هو الرأى الغالب، فكيف للإسلام يحل لنا أن نتزوج المسيحية ويحرم علينا تهنئتهم، فهذا عبث، متسائلا هل السياسة الغربية تجاه المسلمين هل يرضاها الإسلام؟، أن تخلق بؤًرا يقتل فيها الناس لكى تروج مصانع السلاح، فالمناطق المشتعلة تجدها فى مناطق المسلمين، وهذه سياسة، فالسياسة مبدأها الغلط وتحقيق الغرض، فالإسلام يرضى عن ما هو أخلاقى فى السياسة ولا يرضى عن غير ما هو أخلاقى فى السياسة، وهو كثير فى السياسة. وفى ختام كلمته طالب شيخ الأزهر علماء إندونيسيا بتوحيد المسلمين وأن يتقوا الله فيهم. من جانبه قال الدكتور معروف أمين، رئيس مجلس العلماء الإندونيسى، شرف كبير لنا أن يزورنا شيخ الأزهر، وهى زيارة لها تأثير كبير فى نفوس الشعب الإندونيسى، مؤكدا أن تلك الزيارة تمنحهم القوة لنشر دين الله عز وجل، لافتًا إلى أن تنوع الأمة ينبغى أن يكون موحدًا ودافعًا للتقدم وليس خلاف ذلك. وألمح إلى أننا نواجه انتشار حركات علمانية تحارب الدين، وأننا نحتاج إلى مقاومة تلك التحديات وهى تحقيق تسوية المنهج بين أبناء الأمة الإسلامية، مضيفًا أن التطرف نشأ من خلال الحركات العلمانية، وأن المسلمين مازالوا فقراء سياسيًا، فهم كثيرون فى الجملة قليلون فى المجمل، مطالبًا بتوحيد جهودهم وسلك المنهج الصحيح القائم على أساس الأخوة والمساواة.