اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة من شروط صحة ولا تصح الصلاة إلا به، لأن الله تعالى أمرنا بذك في قوله تعالى: «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» البقرة/144. أي: جهته. وذكر الفقهاء أن الالتفات في الصلاة أنواع، منها: الالتفات بالصدر فيحول صدره عن جهة القبلة، فهذا الالتفات يبطل الصلاة، لأن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة. والنوع الثاني من الالتفات بيكون الرأس أو بالعين فقط، مع بقاء البدن مستقبلاً القبلة، فهذا الالتفات مكروه، إلا إذا فعله المسلم لحاجته إلى ذلك، فإذا فعله من غير حاجة فقد نقص ثواب صلاته، غير أنها صحيحة لا تبطل بذلك. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27 /109): "لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي كَرَاهَةِ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَال: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ» رواه البخاري (751). وَالْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ أَوِ الْعُذْرِ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ: كَخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَمْ يُكْرَهْ". وقال الفقهاء إن الالتفات مكروه في الصلاة وينقص ثوابها، لكن لا تجب الإعادة على من التفت في صلاته؛ لأنه قد ثبت في أحاديث أخرى ما يدل على جواز الالتفات إذا دعت إليه الحاجة، فعلم بذلك أنه لا يبطل الصلاة. وجاءت أحاديث كثيرة تدل على جواز الالتفات في الصلاة إذا كان ذلك لحاجة، منها: ما رواه مسلم (431) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا، فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا». وروى أبو داود (916) عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رضي الله عنه قَالَ: «ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ - يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ - فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ»، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنْ اللَّيْلِ يَحْرُسُ. وأشار العلماء إلى أن هناك نوعًا ثالثاً من الالتفات، وهو الالتفات في الصلاة بالقلب، بالأفكار التي ينشغل بها ولا يتدبر صلاته، عن طريق الوساوس والهواجيس التي ترد على القلب، فهذا هو العلة التي لا يخلو أحد منها، وما أصعب معالجتها! وما أقل السالم منها! وهو منقص للصلاة، ويا ليته التفات جزئي! ولكنه التفات من أول الصلاة إلى آخرها، وينطبق عليه أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد».