وضع الرسول صلى الله عليه وسلم، روشتة شرعية لوقاية النفس من الفتنة في الدين، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». رواه مسلم (2720). يؤكد هذا الحديث الشريف، أن صلاح دين المرء في الدنيا يعني سعادته وفوزه في الآخرة، وإن رأس مال المسلم دينه، فمن فرَّط فيه وعرَّضه للفتن فقد خاب وخسر، ومن حافظ عليه واعتنى بتقويته أفلح ونجح. وأوضح الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر، في شرحه للحديث، أن قوله: «اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري»: دعاء بإصلاح الدين أولاً؛ لأنه أعظم المقاصد، وأهم المطالب؛ لأن من فسد دينه فقد خاب وخسر الدنيا والآخرة، وسؤال اللَّه إصلاح الدين هو أن يوفق إلى التمسك بالكتاب والسنة وفق هدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين في كل الأمور، وذلك يقوم على ركنين عظيمين: الإخلاص للَّه وحده في كل عبادة، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يكون خالصاً صواباً. وأضاف عبدالرزاق، أن التمسك بهذين الأصلين عصمة للعبد من الشرور كلها، وأسبابها، ونتائجها ونهاياتها، ومن مضلات الفتن، والمحن، والضلالات التي تضيع الدين والدنيا. وتابع: «وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي»: أي أصلح لي عيشي في هذه الدار الفانية القصيرة، بأن أُعْطَى الكفاف والصلاح، فيما أحتاج إليه، وأن يكون حلالاً مُعيناً على طاعتك، وعبادتك على الوجه الذي ترضاه عني، وأسألك صلاح الأهل، من الزوجة الصالحة، والذرية والمسكن الهنيء، والحياة الآمنة الطيبة، قال جلّ شأنه: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». وأشار إلى أن قوله: «وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي»: أي وفّقني للعمل الصالح الذي يرضيك عني، وملازمة طاعتك، والتوفيق إلى حسن الخاتمة حتى رجوعي إليك يوم القيامة، فأفوز بالجنان، قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾، لم يقل تعالى ممدود، بل قال: «مَعْدُودٍ» أي يُعدّ عدّاً إلى هذا اليوم العظيم، فينبغي لنا أن نعدّ العُدّة إلى هذا اليوم. ونوه بأن المقصود من قوله: «واجعل الحياة زيادة لي في كل خير»: أي اجعل يا اللَّه الحياة سبباً في زيادة كل خير يرضيك عني من العبادة والطاعة . واستكمل «واجعل الموت راحة لي من كل شر» أي اجعل الموت راحة لي من كل هموم الدنيا وغمومها من الفتن والمحن، والابتلاءات بالمعصية والغفلة، ويُفهم من ذلك أن المؤمن يستريح غاية الراحة، ويسلم السلامة الكاملة عند خروجه من هذه الدار، كما جاء في الصحيحين: أن رسول اللَّهِ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ».