قال الباحث الآثري أحمد عامر إن مصر عرفت العسكرية وشئون القتال نشأة منذ فجر التاريخ، وكان الجيش عبارة عن مجموعة من الأفراد المسلحين والمدربين يكلفون بأعمال القتال البرية، ويتألف من الأفراد الذين يتدربون عسكرياً للدفاع عن الدولة، بالإضافة إلى أفراد قوات الاحتياط الذين يُدربون على القتال. وأضاف: قد تطورت على مر التاريخ نظم الجيوش تبعاً لتغيير النظم الاجتماعية والعقائد السياسية عند الشعوب، وقد أخذت الجيوش أنماطاً مختلفة على مر العهود ولا يخفى أيضاً مدى ما كان لتطور الأسلحة من آثار على تنظيم الجيوش فضلاً عن التطور التكنولوجي، ففي أحد الأزمان كانت المشاة عماد الجيوش وقوامه، وفي زمانٍ آخر استبدلوا المشاة بالفرسان المسلحين، كما أننا نرى اليوم المدرعات الميكانيكية هي التي يقع على عاتقها أعنف مراحل القتال، ويُعد الجيش المصري القديم قدم الدولة المصرية والتي تضرب بجذورها العريقة إلى أبعد من التاريخ المسجل. وأشار "عامر" إلى أن الجيش مر بعدة مراحل عكست التحديات التي واجهتها مصر، كما عكست تطور مفهوم وحدود الأمن القومي المصري، كما حدث تطور نوعي للجيش المصري منذ أن تشكل من قوات من المرتزقة بهدف صيانة الأمن في عهد الدولة القديمة، ومنها إلى تطوره إلى جيش نظامي يعتمد على تجنيد الشُبان وقت الأزمات في عهد الدولة الوسطى وصولاً إلى ذروة المجد عندما تشكل الجيش المصري من مقاتلين مصريين يتخذون العسكرية مهنة، حيث اصطبغ أداء الجيش بالاحترافية والاتقان وتميز تسليحه بالتطور والتفوق النوعي الواضح مقارنةً بالجيوش التي واجهته، وتميز بالفكر الاستراتيجي والتكتيكي العالي الذي ميز قادته من الفراعنة العظام فيما يعرف بعصر الإمبراطورية المصرية. وتابع "عامر" إلى أن الجيوش في معظم العصور كانت تتآلف من الجنود المحترفين أو المتطوعين أو المرتزقة هؤلاء الذين يحاربون سعياً وراء الغنائم والحصول علي المال أو الشهرة والمغامرة، وفي بعض الأزمنة تألفت الجيوش من الوطنيين الذين يقاتلون في سبيل الدفاع عن أوطانهم ومن أجل المُثل العليا، وهؤلاء يعتبرون القتال حقاً لهم وليس واجباً، وهكذا تنوعت وتطورت نظم الجيوش بين الشعوب مواكبة تطور الأحوال الاجتماعية في العالم. ولقد كانت مصر منذ القدم أسبق الأمم في تكوين الجيوش المنظمة والمدربة منذ أيام الدولة القديمة، وقد نهض الجيش الوطني منذ أيام تكوينه بأروع الواجبات، وصلة هذا الجيش بتاريخ مصر وثيقة منذ ستة الآف عام وهذه هي المدة علي وجه التقريب هي أيضاً تاريخ الجيش المصري فقد عاشت مصر أمه مستقلة ذات سيادة خلال معظم تلك السنين الطوال بفضل زعائمها من رجال الإدارة والجيش ومجهود شعبها الحي. وأضاف "عامر" أنه ظهر في عصر الدولة القديمة حاميات خاصة للقلاع، وبدأ استقرارا كبيرا في تنظيمات الجند نلحظه في عهد الملك "زوسر"، ولما إاصرفت مصر في ذلك العصر إلى الاهتمام بالجوانب الحضارية لم يكن هناك ما يعكر صفو أمنها سوى غارات البدو على المناطق الزراعية أو التعدين، ومن أشهر الأمثلة على الحملات في الدولة القديمة حملات "وني" وقد تكونت هذه الحملات من آلاف الجند برئاسة "وني"، وقد تكون جيش "وني" من قواسة وحاملي مقامع. أما في عصر الانتقال الأول تشير نصوص "عنخ بيفي" إلى انه كان هناك فرق عسكرية ظاهرة في تلك الصراعات التي كانت في أحيان كثيرة تقوم فيما بين الأقاليم في غياب سلطة مركزية، بينما نجد في العصر الإهناسي أنه تمت الإشارة للاهتمام بتدريب الجند وتنظيم شئونهم، ومن هذا العصر جاءت لنا أقدم إشارات تفيد أن العسكريين أصبحوا طائفة مستقلة تتلقى راوتبها من عطايا الدولة، أما في عصر الدولة الوسطي استقرت أحوال العسكرية المصرية وزاد الاهتمام بالفرق الخاصة التي تحمي الملك والعاصمة. وأصبحت تعرف باسم أتباع الحاكم وكانت تتكون من ضباط وجنود غاية في الكفاءة، ولم تكن هناك حروب في عصر الدولة الوسطي لكنها كانت مجرد غارات، كما أننا نجد أنه في عصر الدولة الحديثة نشأت مراحل طرد الهكسوس، فقد وجدنا الملك في عصور الدولة الحديثة غالباً يذهب بنفسه علي رأس جيش في حملاته وإن كبار ضباطه كانوا من العائلات الكبري والأشراف.