قال الله تعالى فى كتابه العزيز: «اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»، سورة البقرة:آية255. قال الإمام محمد متولي الشعراوي فى تفسيره للآية الكريمة إن المراد من قوله تعالى: «اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ»، أى أنه عزوجل هو المعبود الذي يُتوجه إليه بالعبادة، و«الْحَيُّ» هو الله وهى أول صفة يجب أن تكون لذلك الإله، و«الْقَيُّومُ» أى أن الله هو القائم على أمر رعيته وأنه متولي شئونها فكأن القيام هو مظهر الإشراف لأن القائم قد يكون قائما بغيره، لكن حينما يكون قائما بذاته وغيره يستمد قيامه منه فهو قائم على كل نفس فلابد أن يكون قيوما. وأضاف الشعراوى أن من قيومته تعالى أنه «لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ»، والسنة هي النعاس الذي يأتي في أول النوم أي النوم الخفيف، فهنا يطمئن الله عباده ويقول لهم ناموا أنتم لأنني لا تأخذني سنة ولا نوم لأن كل ما في السماوات والأرض لى فلا شيء ولا أحد يخرج عن قدرتى، ولذلك يقول الله" لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ". وتابع: «أن معنى قوله عز وجل: «مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» أى فإن الكافرين قد جعلوا لله شركاء ويقولون إن هؤلاء الشركاء هم الذين سيشفعون لنا عند الله فيقول الله إن الشفاعة لا يمكن أن تكون عندي إلا لمن أذنت له أن يشفع إن الشفاعة ليست حقا لأحد ولكنها عطاء من الله»، مشيرا إلى أن معنى قوله تعالى: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ» أى أن عند الله علم جميع الغيب ويحيط علمه بكل شيء ولا تخفى عليه خافية وإنها إحاطة من كل ناحية فإن الله يعلم مطلق العلم وكون الله يعلم فإن ذلك لا ينفي أن يكون غيره يعلم أيضا لكن علم البشر هو بعض علم موهوب من الخالق لعباده. وأوضح إمام الدعاة أن قوله: «وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ»، العلم هو الصفة التي تعلم الأشياء على وفق ما هي عليه، هذا هو العلم، وصفة الله وعلمه أعظم من أن يحاط بهم لأنها لو أحيطت لحددت وكمالات الله لا تحدد، وكلمة "وَلاَ يُحِيطُونَ" هي دقة في الأداء لأنك قد تدرك معلوما من جهة وتجهله من جهات فأوضح الله أنك لا تقدر أن تحيط بعلم الله أو قدرته ،لأن معنى الإحاطة أنك تعرف كل شيء وأنت لا تحيط بعلم إلا بما شاء لك الله أن تحيط. ولفت الشعراوى إلى أن قوله تعالى: «إِلاَّ بِمَا شَاءَ» هو إذن منه سبحانه بأنه سيتفضل على خلقه بأن يشاء لهم أن يعلموا شيئا من معلومه، وكان هذا المعلوم خفيا عنهم ومستورا في أسرار الكون، ثم يأذن الله للسر أن ينكشف، وهذا القول فيه تحد واضح، فحتى إذا اجتمع البشر مع بعضهم فلن يحيطوا بشيء إلا بإذنه. وبين أن قوله عز وجل: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا»، أن معنى آده الشيء أي أثقله، أي أنه لا يثقل على الله حفظ السماوات والأرض فإن السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر فقد وسعهما الكرسي الرباني، وقال بعض المفسرين إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظ السماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ وختم الله الآية بقوله: «وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» وهذا أمر طبيعي يقتضيه سياق ما تقدمت به الآية الجليلة آية الكرسي و"العليّ" هو الذي لا يوجد ما هو أعلى منه فكل شيء دونه.