أنا فى دهشة من أمر الذين يتشعبطون فى ثورة 25 يناير وكأنهم هم الذين أشعلوا أول شرارة لها، مع أن هذه الثورة لم يكن لها قائد حتى يخطط لها ويستحق لقب «بطل الثورة».. ولذلك لا أجد من يستحق هذا اللقب إلا «فيس بوك» الذى كان سببا فى تجميع النبت الطيب من شبابنا، فالشبان هم أول من أطلقوا الشرارة عندما خرجوا فى توقيت واحد يجمعهم شعار واحد وهو المطالبة بالتغيير.. ثم تطور هذا المطلب بعد انضمام الشعب إليهم وطالبوا بالرحيل وإسقاط النظام، وفجأة يقفز شباب التيارات الإسلامية على أكتاف هؤلاء الشبان الثوار وينضمون إلى صفوفهم ويهتفون هتافاتهم.. وسبحان الله! بعد أن تنجح الثورة ويحنى النظام رأسه لثورة الشباب ويرحل الرئيس.. تخرج الوجوه التى كانت خامدة فى مواقعها تترقب الأحداث ثم تخرج من جحورها بعد أن اطمأنت بسقوط النظام وراحت تستعرض عضلاتها وكأنها كانت العقل المدبر لهؤلاء الشبان والحصن المتين الذى كان يساندهم فى ثورتهم.. وبدون خجل أو حياء يعلنون أنهم هم أصحاب الثورة.. يا لها من «بجاحة» أن ينصّب كل «هلفوت» نفسه زعيما لهذه الثورة مع أن الزعماء الحقيقيين الذين صنعوها أصبحوا فى الصفوف الخلفية راضين قانعين بأن هدفهم تحقق بسقوط الديكتاتور، وأن مصر أصبحت للمصريين بصرف النظر عن هوية الفصيل السياسى الذى سوف يحكمها.. سواء كان الإخوان أو السفليين.. أو الليبراليين.. أو المستقلين.. ولأن اصحاب الثورة الحقيقين لم يخططوا للوصول إلى الحكم فقد كان هدفهم التغيير على اعتبار أن مصر فيها ما يكفيها من الوطنيين القادرين على إصلاح حال البلاد.. وقد كانت غلطتهم أنهم انشغلوا فى تشكيل الائتلافات الشبابية، لم يفكروا فى حزب سياسى يجمعهم.. وللأسف تقاعسهم عن تشكيل حزب فى البداية أعطى الفرصة للتيارات الإسلامية أن تفرض نفسها على الشارع المصرى.. ولأن المصريين كانوا متعطشين للتغيير فقد التقت مشاعرهم مع هذه التيارات التى كان يسميها النظام بالجماعة «المحظورة». رؤية الثوار هى أن تلتقط مصر أنفاسها بعد الثورة.. وتنفض عن نفسها غبار الفساد وتتخلص من الأفاكين والحيتان الذين أجهضوها وحلبوها.. وأن يأتى إليها رئيس وطنى مخلص بصرف النظر عن هويته السياسية إذا كان بلحية أو بغير لحية.. المهم أن تكون مصر بين ضلوعه. وإذا كان المصريون الآن يتطلعون إلى الاستقرار بإعادة بناء المؤسسات ووضع دستور جديد للبلاد واختيار حاكم عادل يمتلك «حاسة» الإحساس بالفقير والضعيف.. بالمريض والعجوز.. فلماذا يستكثر البعض على المصريين الهدوء والاستقرار؟ وكون أن تظهر «الشللية» التى «اتشعبطت فى الثورة» الحرب على ما سموه الفلول.. معتبرين أن كل من كان قريبا من النظام الذى سقط هو من الفلول.. سواء كان يعمل فى الحكومة أو فى مؤسسة من المؤسسات حتى أدخلونا فى متاهات بنغمة الفلول.. ولم نعد نفرق بين الثوار.. وبين الفلول.. مع أن مصر كلها فلول.. لأن الذين قضوا ثلاثين عاما من أعمارهم مع حكم «مبارك» هم فلول.. الذى أفهمه أن من كان يجاهر النظام ويتصدى له وهو فى أوج عظمته وقوته هو فعلا من الثائرين المناهضين للنظام.. يعنى بصريح العبارة: «الذين تشعبطوا فى الثورة كلهم فلول».. لكن للأسف غسلوا أيديهم من نظام مبارك وراحوا يتأففون منه مع أنه لم يظهر لأحدهم صوتا على أيامه. لم نسمع أن اعترضوا على قرار للحزب الحاكم. ثم أين كانوا من قانون الاحتكار الذى صنع الحيتان الذين أكلوا خير مصر، ولم يتركوا لا الأخضر ولا اليابس؟! وأين كانوا من استراتيجيات جمال مبارك، التى كان يدير بها شؤون البلاد؟! أقلام عدد محدود من الشرفاء أمثال إبراهيم عيسى وعادل حمودة وعبدالحليم قنديل وفهمى هويدى وعبدالله السناوى وجمال فهمى وبلال فضل وعلاء الأسوانى والمرحوم جمال بدوى والمرحوم مجدى مهنا- هذه الأقلام تناولت بكل جرأة وشجاعة معارضة النظام، وكانت تنتقد رأس النظام وتصفه بالفرعون وهو جالس على كرسيه.. أمنيتى أن يذكر لنا أحد جهابذة الإخوان- الذين يتحدثون عن الفلول وهو يهدد بتحويل مصر إلى برك للدم إذا فاز أحد الفلول بكرسى الرئاسة- هل كان سيادته فى جرأة قلم كاتب من هؤلاء الكُتاب العظام أيام «مبارك»؟! وإن جاز لى أن أقول إن أصحاب هذه الأقلام هم الأولى بأن ينسبوا الثورة لأنفسهم، لأنهم أول من أعلنوا الثورة والتحدى فى مواجهة مبارك- فلم نسمع أن الإخوان أو غيرهم كان لهم مثل هذه المواقف مع «مبارك». وحتى أكون منصفا، أعضاء كفاية.. وأعضاء 6 إبريل.. وأعضاء نادى القضاة على أيام المستشار زكريا عبدالعزيز كانوا يمثلون الكتائب المعارضة للنظام ولا يجرؤ أحد أن ينكر مواقفهم ضد «مبارك» ونظامه.. معنى هذا أن الشعب المصرى كان من الفلول، لأنه ظل خاضعا محنى الرأس ثلاثين عاما إلى أن حانت الساعة وكسر شبابنا حاجز الخوف عند المصريين. إذن.. ليس هناك ما يدعو إلى التصنيف أن هذا فلول.. وأن هذا من الثوار.. لأننا أيام مبارك كلنا كنا «فلول».. ومن يؤيد الثورة والثوار الآن، فهو من الثوار. لذلك أقول: اتركونا من نغمة الفلول.. وإن عدتم إلى الحقيقة، فالإخوان كانوا أول الفلول بالصفقات السياسية التى كانوا يعقدونها مع النظام.. واسألوهم كيف وصل عددهم إلى 80 عضواً فى برلمان 2005؟! هل نسوا كيف كانت علاقتهم بالنظام ورجال النظام وشهور العسل التى كانوا يعيشون فيها بعد اكتساب ود النظام؟! هذا الكلام أقوله لقادة الإخوان الذين غسلوا أيديهم من نظام «مبارك» وأخذوا يتهكمون على الفلول مع أنهم كانوا أول الفلول. نقلا عن المصرى اليوم