قال الله تعالى فى محكم كتابه العزيز: «وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا»، وفى هذه الآية اختلف المفسرون والعلماء فى حقيقة الأسماء التى علمها الله تعالى لسيدنا آدم –عليه السلام- ولم تعرفها الملائكة الكرام على أقوال وهى: قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ ال أسماء كُلَّهَا»، أن الصحيح أنه عزوجل علمه أسماء الأشياء كلها وذواتها وصفاتها وأفعالها حتى الفسوة والفُسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر، ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية في كتاب التفسير من صحيحه فذكر ابن كثير إسناد البخاري عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ... الحديث »، فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال عزوجل: «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ»، يعني المسميات. وقد سرد الأقوال في هذه المسألة الحافظ ابن حجر في الفتح (8/10) فقال: واختلف في المراد بالأسماء: فقيل: أسماء ذريته، وقيل: أسماء الملائكة، وقيل: أسماء الأجناس دون أنواعها، وقيل: أسماء كل ما في الأرض، وقيل: أسماء كل شيء حتى القصعة . وقال الإمام الشوكاني في فتح القدير(1/64): والأسماء هي العبارات والمراد أسماء المسميات، وقد قال بذلك أكثر العلماء وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله: "كلها" يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائنا ما كان . وقال الإمام الفخر: من الناس من قال قوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ ال أسماء كُلَّهَا» أي علمه صفات الأشياء ونعوتها وخواصها، والدليل عليه أن الاسم اشتقاقه إما من السمة أو من السمو، فإن كان من السمة كان الاسم هو العلامة وصفات الأشياء ونعوتها وخواصها دالة على ماهياتها، فصح أن يكون المراد من الأسماء: الصفات. وإن كان من السمو فكذلك لأن دليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء فإن العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول، فكان الدليل أسمى في الحقيقة، فثبت أنه لا امتناع في اللغة أن يكون المراد من الاسم الصفة، بقي أن أهل النحو خصصوا لفظ الاسم بالألفاظ المخصوصة، ولكن ذلك عرف حادث لا اعتبار به، وإذا ثبت أن هذا التفسير ممكن بحسب اللغة وجب أن يكون هو المراد لا غيره، لوجوه: أحدها: أن الفضيلة في معرفة حقائق الأشياء أكثر من الفضيلة في معرفة أسمائها، وحمل الكلام المذكور لإظهار الفضيلة على ما يوجب مزيد الفضيلة، أولى من حمله على ما ليس كذلك، وثانيها: أن التحدي إنما يجوز ويحسن بما يتمكن السامع من مثله في الجملة، فإن من كان عالمًا باللغة والفصاحة. وقد ورد قول وهو المشهور أن المراد أسماء كل ما خلق الله من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم من العربية والفارسية والرومية وغيرها، وكان ولد آدم -عليه السلام- يتكلمون بهذه اللغات فلما مات آدم وتفرق ولده في نواحي العالم تكلم كل واحد منهم بلغة معينة من تلك اللغات، فغلب عليه ذلك اللسان، فلما طالت المدة ومات منهم قرن بعد قرن نسوا سائر اللغات، فهذا هو السبب في تغير الألسنة في ولد آدم -عليه السلام-. قال أهل المعاني: قوله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ ال أسماء» لابد فيه من إضمار، فيحتمل أن يكون المراد وعلم آدم أسماء المسميات، ويحتمل أن يكون المراد وعلم آدم مسميات الأسماء، قالوا لكن الأول أولى لقوله: «أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء» وقوله تعالى: «فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم» ولم يقل أنبئوني بهؤلاء وأنبأهم بهم، فإن قيل: فلما علمه الله تعالى أنواع جميع المسميات، وكان في المسميات ما لا يكون عاقلًا، فلم قال عرضهم ولم يقل عرضها؟ قلنا لأنه لما كان في جملتها الملائكة والإنس والجن وهم العقلاء، فغلب الأكمل، لأنه جرت عادة العرب بتغليب الكامل على الناقص كلما غلبوا. وقد قال القرطبي: إن قوله تعالى: «الأسماء كُلَّهَا»، أن الأسماء هنا بمعنى العبارات، فإن الاسم قد يطلق ويراد به المسمَّى؛ كقولك: زيد قائم، والأسد شجاع، وقد يراد به التسمية ذاتها؛ كقولك: أسد ثلاثة أحرف؛ ففي الأوّل يقال: الاسم هو المسمَّى بمعنى يراد به المسمى، وفي الثاني لا يراد به المسمَّى؛ وقد يجري اسم في اللغة مجرى ذات العبارة وهو الأكثر من استعمالها. وقد ذكر بعض العلماء أن الله تعالى علم سيدنا آدم -عليه السلام- أسماء جميع المخلوقات وتوارثها أبناؤه وأحفاده من بعده لأن هذا من العلوم المظهرة للإنسان، وأنه –عليه السلام- تعلم الأسماء كلها وليس رموزاً لها إذ لو كان سيدنا آدم تعلم رموز الأسماء لما اعترفت الملائكة بعجزها عن علمها بتلك الأسماء، وذلك لقوله تعالى « فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا»، فهذه الآية تدل على أن علم سيدنا آدم غلب علم الملائكة وهذا إعجاز لآدم –عليه السلام- حيث علم ما لم تعلمه الملائكة.