لم أكن أكملت التاسعة من عمري وأنا أشاهد في تليفزيون منزلنا الأبيض والأسود مناقشة بين رئيس الدولة بكل هيبته المستقرة في مخيلة طفل، وبين شاب جامح طليق اللسان لا أعرف اسمه، كل ما أتذكره في هذا اليوم العاصف دعاء أمي (رحمها الله) لأم الشاب بأن يلهمها الصبر عما سيلاقيه ابنها. بعد تسع سنوات أخرى كنت في قلب مظاهرة تنادي بالإفراج عن البطل سليمان خاطر، ووجدتني على موعد مع الشاب الذي واجه السادات بجسارة ولم أكن أعرف اسمه بعد. في الجامعة سمعت اسم حمدين لأول مرة، ونسقت مع أعضاء نادي الفكر الناصري العديد من الفعاليات والمظاهرات، قادتنا جميعا إلى سجون مبارك، وهتفت مع عبد الرحمن نجاح ومحمد عوض وعبد المجيد راشد وفؤاد تعيلب وأحمد شلبي ومحمد رواش ومحمد شبانة "يسقط مبارك"، ولم يدر بخلدي أنه سيأتي يوم ويسقط فعلا مبارك. من الجامعة إلى الصحافة كان حمدين دون أن يدري رقما مهما في حياتي، وفي مركز إعلام الوطن العربي "صاعد" خطوت خطواتي الأولى في الصحافة، كان "صاعد" مثل قلب حمدين مفتوحا للجميع. حمدين الذي وقف على قدمين ثابتتين أمام السادات هو نفسه الذي صلب عوده في اعتقالات سبتمبر، ورفع رأسه في وجه جلاديه، وبقى على العهد والوعد وفيا لأفكاره وما اعتقده صحيحا، لم يلين أبدا أمام 17 اعتقالا من أجهزة أمن مبارك له. حمدين الذي منحته صوتي ليمثلني في مجلس نقابة الصحفيين، هو حمدين الذي اعتقل دفاعا عن الفلاحين عندما هجم لصوص مبارك على الأرض التي منحها إياهم عبد الناصر، هو حمدين الذي جاهد طوال حياته ضد القهر والفقر، هو حمدين الذي نستمد منه الصلابة وهو حليق الرأس يرتدي بدلة السجن البيضاء ويدفع بقسوة إلى عربة الترحيلات، لتواسيني عيناه الثابتتان عندما ذهبت مع المئات من محبيه للتضامن معه أمام دار القضاء العالي، هو حمدين الذي تكسرت على قلبه النبيل كل مؤمرات أمن الدولة لإسقاطه في الانتخابات، هو حمدين الذي استشهد بسطاء البرلس دفاعا عن صناديق الانتخابات التي أوصلته إلى مجلس الشعب، هو حمدين الذي قادته قدماه إلى ميدان التحرير عندما وجد الأمريكان يحرقون بغداد عام 2003، هو حمدين الذي تخلى عن خوض انتخابات الإعادة في انتخابات 2010 ليحفظ دماء محبيه حينما أصر أحمد عز على إسقاطه بأي ثمن. حمدين طوال 40 عاما كان وفيا لمبادئه وأفكاره وللبسطاء والمهمشين الذين انتمى إليهم، لم يسعى قط إلى منصب وكان يستطيع لو أراد، أو مال وكان يمكنه جمع الملايين لو شاء، لم يفعل سوى ما آمن به وعاش له، لم ييأس حينما يأسنا جميعنا وقلنا "ما فيش فايدة"، لم يفقد إيمانه بالشعب حينما ظننا جميعا أن البلادة باتت قدرا والتوحد مع الجلاد أصبح مرضا مزمنا، لم يخش جبروت مبارك ونجله جمال وأجهزة أمن العادلي وأعلن في عز جبروت الأسرة أنه سيترشح للرئاسة. في ميدان التحرير وطوال 18 يوما كان على العهد، مشروع شهيد في أي لحظة، يزيح بابتسامته الواثقة هموم القهر عن كاهلنا، ويبدد بثقته في المستقبل لحظات اليأس العابرة، وبقى -كما كان دوما- رمزا لكل ما هو جميل وأصيل. عندما ذهبت إلى مقر السفارة المصرية في الكويت اليوم منحت صوتي لحمدين، كنت أمنحه قلبي وعقلي وأنا مرتاح الضمير، وتمنيت لو كان لي مليون اسم ومليون بطاقة تصويت لأمنحهم له، ودعوت طوال الشهور الماضية كل معارفي وأصدقائي التصويت له واعتبرت ذلك فرض عين لرجل في زمن ندر فيه الرجال، وثوري حقيقي من رحم الشهداء وقلب الميدان لا ثوار "السيجار"وعملاء أمن الدولة. حمدين هو الرئيس المؤتمن على مستقبلي ومستقبل أولادي، وسأبقى رأسي مرفوعا منذ الآن لأن حمدين صباحي "واحد مننا".