قال الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرد المال الذي اقترضه بزيادة غير مشروطة تفضلاً منه، وليس هو من قرض جر منفعة فهو منهي عنه، لأن المنهي عنه ما كان مشروطًا في عقد القرض. وأوضح الجندي ل«صدى البلد»، أن الرسول صلى عليه وسلم اقترض «إبل صغيرة وردها إبل كبيرة»، مستشهدًا بما روي عَنْ أَبِيْ رَافِعٍ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلُ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُوْ رَافِعٍ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيْهَا، إِلاَّ خِيَارًا رُبَاعِيًا. فَقَالَ: أَعْطُوْهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». وأضاف المفكر الإسلامي، أن هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأهل السنن، وقوله (استسلف من رجل بكرًا) يقال: أسلفت رجلاً مالاً، وسلفته مالاً، بتشديد اللام، أقرضته إياه، ويقال: استلف واستسلف من رجل مالاً، أي اقترض، والبكر بفتح الباء وسكون الكاف الصغير من الإبل، كالغلام من الآدميين، والأنثى بكرة وقلوص، وهي الصغيرة من الإبل، كالجارية من الآدميين. وتابع في شرحه للحديث وقوله: (لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا) بفتح الراء، وتخفيف الياء، وهو من الإبل ما استكمل ست سنين ودخل في السابعة، والذكر رباع، والأنثى رباعية بتخفيف الياء. أي لم أجد في إبل الصدقة إلا ما هو خير من سنه، لم أجد إلا رباعيًا. وأشار إلى قول اللَّه تعالى: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» [الرحمن: 60]، وقوله تعالى: «إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» [النساء: 86] فهاتان الآيتان تدلان على أدب عام رفيع من آداب الإسلام، أن يوفى المدين دينه فور التمكن من الأداء، وأن يحسن إلى الدائن عند الوفاء، بالزيادة أو بالكلمة الطيبة، والشكر على ما قدم من معروف، وأن يتحمل المدين مطالبة الدائن، وإن شدد، فهو صاحب حق، مادام يطالب في حدود الآداب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تطبيق هذه الآداب. وأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمر على بيوته الشهر والشهران ثلاثة أهله في شهرين، لا يوقد في بيته نار، لعدم وجود ما يطهى بالنار، فلم يكن يستقرض لنفسه شاة ولا بعيرًا، ولكنه كان يقترض للفقراء حين لا يكون في بيت المال ما يحتاجون، فإذا جاءت إبل الصدقة، سدد ما اقترض، بما هو مثله، أو بأحسن مما اقترض، وكان يتحمل شدة صاحب الحق، ويقول: إن لصاحب الحق مقالاً، وكان يدعو إلى إكرام المقرض، والإحسان عند أداء الحقوق، ويقول "خيركم أحسنكم قضاء" بهذا يقول الدائن للمدين "أوفيتني أوفي الله بك وأوفاك". ويؤخذ من الحديث جواز المطالبة بالدين، إذا حل أجله، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وعظم حلمه وتواضعه وإنصافه، وأن من عليه دين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق والإساءة إليه لمطالبته، فإن له مقالاً، لكن بالآداب الشرعية. وأن من أساء الآداب على الإمام استحق التعزير بما يقتضيه الحال، إلا أن يعفو الإمام، وفيه أن الاقتراض في الأمور المباحة لا يعاب، فكيف في البر والطاعة؟، وأن للإمام أن يقترض على بيت المال، لحاجة بعض المحتاجين، ليوفي ذلك من مال الصدقات. واستطرد: وفيه حسن القضاء، وأنه يستحب لمن عليه الدين، من قرض وغيره أن يرد أجود من الذي عليه، وهذا من السنة ومكارم الأخلاق، وليس هو من قرض جر منفعة فهو منهي عنه، لأن المنهي عنه ما كان مشروطًا في عقد القرض، قال النووي: ومذهبنا أنه يستحب الزيادة في الأداء، عما عليه، ويجوز للمقرض أخذها، سواء زاد في الصفة، أو في العدد، بأن أقرضه عشرة، فأعطاه أحد عشرة، ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي عنها، وحجة أصحابنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم "خيركم أحسنكم قضاء". ويبن الحديث جواز السلف في الحيوان، وحكمه حكم القروض، واستدل الإمام الشافعي بهذا على جواز تعجيل الزكاة على أساس أن استقراضه صلى الله عليه وسلم كان للمحتاجين مستحقي الزكاة، فأعطاهم من الزكاة عاجلة حتى جاءت إبل الصدقة