ما هي دولة الدستور والقانون؟ هل عرف التاريخ دولة ليست بدولة الدستور و القانون؟ فالدولة هي التي تسن القوانين حسب مشيئتها ولابد أن تطالب الشعب أن يشاركها فى وضعه فالصفة العامة لجميع الدساتير والقوانين فى العالم هي أنها ليست منزلة من السماء ولكن يصنعها الانسان. والانسان الذي يصنع الدستور أو القانون يصنعه وفقا لمصالحه الشخصية. فعند وضع الدساتير والقوانين في المجتمعات المستبدة الموصومة بالعار والنار مثل عهد المخلوع مبارك الذى أعاد عصر العبودية والمعاملة بالكرباج ومن قاموا بتفصيل القوانين والدساتير فهم كذلك عبيد لأنهم انصاعوا لأوامر السادة واذا تتبعنا كل الدساتير التي وضعت في تاريخ المجتمعات البشرية منذ أول دستور أو قانون في التاريخ، وحتى اليوم نجد اذا دققنا النظر انها دساتير تمثل الأوضاع السياسية السلطوية والإقتصادية والاجتماعية في تاريخ صناعتها. وبما أن تاريخ البشرية مثلا بعد تفكك المجتمع الشيوعي البدائي هو تاريخ المجتمعات الطبقية فلابد أن كل الدساتير كانت تمثل الطبقات المسيطرة في هذه المجتمعات اذ أن هذه الطبقات هي التي تضع الدساتير والقوانين. وكانت الدساتير والقوانين التي وضعت في المجتمعات الإقطاعية الظالمة المستبدة توضع لحفظ مصالح هذه الطبقات وهذا يصح على الدساتير التي وضعت في المجتمعات الرأسمالية اذ وضعت لغرض تأمين مصالح الطبقة الرأسمالية في استغلال العمال والكادحين. ويصح هذا الامر حتى على الدستور الذي وضعته الدولة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي سنة 1936 اذ كان الدستور يعبر عن مصالح العمال والفلاحين ويحرم البرجوازية من اية حقوق. ولكن مشكلة وضع الدستور المصرى الجديد تشغل أذهان الشعب المصرى بأكمله وشباب الثورة فردا فردا. فمنهم من يريد ان يجعل الدولة المصرية دولة اسلامية تسن فيها القوانين وفقا للشرع الاسلامي وحده.. ومنهم من يريد دستورا مدنيا علمانيا منفصلا عن الدين الاسلامي.. والأقباط يدعون الى فصل الدين عن الدولة.. ومنهم من يريد ان يشرع حقوق المرأة وفقا للشريعة الاسلامية ويعيدها خمسة عشر قرنا الى الوراء.. ومنهم من يريد مساواة المرأة مع الرجل في جميمع الحقوق.. ومنهم من يريد مصر جزءا من العالم العربي.. ومنهم من يريد أن تكون مصر جزءا من العالم الاسلامي.. ومنهم من يعارض ذلك.. ومنهم من يعتبر الدين الاسلامي دين الدولة ومنهم من يطالب باعتبار الدين أمرا شخصيا يحق للانسان أن يعتنق الدين الذي يشاء أو لا يعتنق أي دين على الإطلاق أو يعتقد بالعلم وحده أو حتى ان يكفر بكل الاديان واعتبار المواطنة هي الاساس في معاملته بصرف النظر عن معتقداته الدينية او كفره بها. كل هذه الأفكار والأطروحات تملأ العقول والأذهان وتقتلنا بحثا وأرجو أن تكون تجربة مبارك الدستورية آخر تجربة مأساوية نتعلم منها, وعندما كان يشعر نظام مبارك بوجود شيء من الخطر على نظامه فإنه يلغي الدستور وجميع القوانين القائمة على أساسه بواسطة قانون الطوارئ فلقد أعلنت حالة الطوارئ بعد اغتيال السادات وبقيت توابعه ومفعوله طوال فترة حكم مبارك الى أن ألغاه المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى حاكم مصر, وأيضا دام حكم البعث السوري منذ سنة 1963 حتى اليوم تحت حكم الطوارئ الذي يلغي جميع القوانين ويبيح للديكتاتور بشار الأسد من بعد أبيه الطاغية حافظ الأسد بقتل وذبح وتعذيب وتفجير وتدمير شعبه المدنى الأعزل الذى لاذنب له سوى حبه لوطنه وحريته وكرامته, وهاهو أيضا الشعب العراقى المغلوب على امره عمر الذى لم يشهد يوما واحدا بدون حكم الطوارئ حتى لحظة كتابتى لهذا المقال, اذن فما الضمان بان الدستور سيكون نافذا مع القوانين التي تسن على اساسه تحت حكم الطوارئ؟ ولكن هل هذا يعني أنه على الشعوب العربية بصفة عامة و الشعب المصرى بصفة خاصة وعماله وفلاحينه والكادحين السكوت والخضوع لهذا الامر الواقع بدون ان يشنوا نضالا قويا لادخال مواد تلبي مصالح هذه الطبقة العاملة والنضال من اجل تطبيقها تطبيقا حقيقيا؟ هل عليهم ان ينتظروا الى حين استدعائهم ليساهموا في وضع دستور مصرى حقيقي؟ فإنه على الشعب المصرى وشباب ثورته ان يواصلوا النضال من أجل الدستور فإن النضال من أجل وضع الدستور هو جزء لا يتجزأ من النضال ضد الاستعمار من اجل الاستقلال.. النضال ضد الفلول من أجل الحرية.. النضال ضد الحزب الوطنى من أجل النزاهة والشفافية.. النضال ضد مبارك والعادلى وأعوانهما من أجل الشرف والكرامة والإنسانية لأناس تجردوا من النزاهة والمدنية.