تبدأ لاتفيا غدا الخميس،فترة رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي خلفا لإيطاليا، وذلك لمدة ستة أشهر لتسلم من بعدها الرئاسة إلى لوكسمبرج في يوليو القادم. ومن المقرر أن تركز فترة رئاسة لاتفيا على ثلاثة موضوعات رئيسية؛ أولها نمو الاقتصاد الأوروبي وتعزيز القدرة التنافسية وتوفير فرص عمل، وثانيا تعزيز الشراكة الشرقية وذلك في ضوء القمة التي ستعقد في العاصمة ريغا في مايو 2015، وأخيرا العمل على الاستغلال الأمثل للإمكانات الرقمية التى يمتلكها الاتحاد الأوروبي من أجل تنميته، خاصة وأن لاتفيا تتمتع بدور رائد في مجال الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الرقمية، حيث أنها من أسرع الدول الأوروبية في الدخول على شبكة الانترنت وتحتل المكانة الرابعة على مستوى العالم. وانطلاقا من السمعة الطيبة التي تتمتع بها لاتفيا على المستوى الدولى في مجال الثقافة والفنون، أعلنت عن تنظيمها لبرنامج ثقافى كبير خلال فترة رئاستها للاتحاد، حيث أقامت عددا من المعارض الفنية والحفلات الموسيقية ونظمت العديد من الأنشطة الثقافية التى تروج لحضارتها وثقافتها على مستوى العالم. ومن المقرر أن يشارك فى هذا البرنامج الدولى فنانون من دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج، إلى جانب دول أخرى مثل روسيا والولايات المتحدةالأمريكية وبيلا روسيا والصين وأوكرانيا. وتستعد لاتفيا بأفضل فنانيها وفرقها الفنية للمشاركة فى هذا البرنامج الاقتصادى الكبير. ويؤكد المسئولون في لاتفيا أن بلادهم لا ترغب في تحويل رئاستها الأوروبية إلى فترة مواجهة مع روسيا، مشددين على أنها ستعمل جاهدة على تبني الحوار السياسي مع موسكو حول الأزمة الأوكرانية. ورغم تأثر اقتصاد لاتفيا بالعقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على روسيا، يؤكد مسئولو البلاد دائما أنهم سيقومون خلال فترة رئاستهم للاتحاد الأوروبي بتنفيذ السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد التي يتم وضعها بشكل عام، وليس لديهم أي نية لإجراء تغييرات جوهرية على هذه السياسات. وتعد لاتفيا ثاني دولة من دول البلطيق تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي بعد ليتوانيا. ورغم أنها من أصغر وأفقر دول القارة الأوروبية وأقلها كثافة سكانية، حيث لا يتعدى عدد سكانها 2 مليون نسمة، تظل مؤشراتها الاقتصادية جيدة بصورة ملحوظة حيث أنها تتمتع بأعلى معدل نمو اقتصادي في الاتحاد الأوروبي اقترب هذا العام من 3%. وعانى اقتصاد لاتفيا من انكماش شديد خلال الفترة من 2008 إلي 2010 التي شهدت فيها أزمة مصرفية، لكنه نما بحلول عام 2012 بعد أن لجأت الحكومة إلى تخفيض الانفاق واتباع سياسات تقشفية صارمة، وهو ما جعل لاتفيا نموذجا يشيد به القادة الأوروبيين الذين أشاروا في عدة محافل إلى الدولة البلطيقية باعتبارها مثالا لسياسة التقشف التي أتت بثمارها. وانضمت لاتفيا، الدولة السوفيتية السابقة، إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، وأصبحت من الدول الأعضاء في منطقة شنغن في ديسمبر 2007. أما انضمامها الرسمي إلى منطقة "اليورو" بدأ في الأول من يناير 2014 لتصبح العضو الثامن عشر في العملة الأوروبية الموحدة، كما أنها الدولة الرابعة من الكتلة الشيوعية السابقة في أوروبا الوسطى والشرقية التي تعتمد العملة الأوروبية الموحدة بعد سلوفينيا في 2007 وسلوفاكيا في 2009 وإستونيا في 2011. ويؤكد المسئولون في البلاد دائما أن خطوة الانضمام إلى منطقة اليورو كانت لها نتائج إيجابية واضحة على الاقتصاد اللاتفي حيث رفعت وكالة "ستاندر أند بورز" التصنيف الائتماني للاتفيا إلى "A- " نظرا لتحسن أوضاعها الاقتصادية والمالية مع توقعات باستمرار نمو الناتج المحلي في البلاد بمتوسط 4% خلال الفترة من 2014 حتى 2017. كما أدت تلك الخطوة إلى تسهيل المبادلات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي وتعزيز ثقة المستثمرين وتفادي مخاطر تقلبات أسعار العملة حتى أن المسئولين بالحكومة أكدوا أن لاتفيا ستتمكن من توفير أكثر من 70 مليون يورو سنويا بسبب عدم الحاجة إلى تحويل العملة عبر التعاملات التجارية مع شركائها في الاتحاد الأوروبي. ويتفق عدد من المراقبين على أن لاتفيا لديها فرصة قوية لتحقيق إنجازات ملموسة خلال فترة ترؤسها للاتحاد، خاصة أنها جاءت عقب رئاسة إيطاليا التي اتفق الكثيرون أنها لم تكن على مستوى التوقعات رغم أن القادة الأوروبيين كانوا يعولون كثيرا على رئيس الوزراء الشاب ماتيو رينزي الذي أخفق - من وجهة نظر المراقبين - في تحقيق الأهداف المرجوة سواء على صعيد رفع معدلات النمو أو خفض العجز. وكان رينزي قد وضع منذ بداية فترة رئاسته في يوليو الماضي موضوعين رئيسين على قائمة أولوياته، الأول: التخفيف من حدة الإجراءات التقشفية من خلال تطبيق بعض المرونة في الميزانية للدول الأعضاء في منطقة اليورو، والثاني: هو تنظيم خطة انتعاش اقتصادي. ويبدو أن النتائج الملموسة على أرض الواقع جاءت بعيدة كل البعد عن طموحات رئيس الوزراء الإيطالي، حيث اتفق المراقبون أنه لم ينجح في إحداث أي تغير في السياسات الأوروبية المتبعة، وأن الإنجاز الوحيد المحسوب له هو التوصل إلى اتفاق حول أهداف المناخ لعام 2030 تلتزم بموجبه دول الاتحاد بخفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة لا تقل عن أربعين % لعام 2030 وذلك مقارنة بعام 1990. ومن المعروف أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة من التعديلات التي أدخلت على معاهدة الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، إذ في الوقت الذي كانت فيه رئاسة الاتحاد تقود السياسة الاقتصادية للدول الأعضاء في الاتحاد وتعقد سلسلة من المؤتمرات والقمم بهذا الشأن، انتقل الأمر إلى المسئولين الدائمين، ورئيس الاتحاد هيرمان فان رومبوي ومسئولة السياسة الأمنية والشئون الخارجية كاثرين أشتون، في بروكسل. ومع ذلك ما زالت تتمتع الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي باختصاصات مهمة تتعلق بعقد الصفقات التشريعية التي تدفع عجلة الاتحاد، وترؤس الاجتماعات الوزارية، ولعب دور الوساطة في الاتفاقات بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى الدور الذي ما زال يضطلع به قادة الدول الأعضاء في صياغة السياسات العامة للاتحاد.