* جماعة الإخوان المسلمين تدخل مرحلة العزل * الإخوان والسلفيون تفاجأوا بأنهم في برلمان منزوع الدسم * المجلس العسكري وضع استراتيجية امتصاص الفعل الثوري * فصل التنظيميين عن الثوريين تم عبر خلق دوائر انتخابية بمساحات جغرافية واسعة * مواقف الإخوان المختفلة بالثورة كانت ناجمة عن نظرة ذاتية دخلت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة مرحلة العزل الجماهيري، تمهيداً لدخولها المحرقة السياسية، بعد انسياقها إرادياً وبكامل قواها العقلية الباحثة عن المصلحة الشخصية للفصيل بانتهازية سياسية على حساب المصلحة الوطنية وأهداف الثورة، وإقناع نفسها وإيهام الرأي العام بأنها تمثل الأغلبية الشعبية وقادرة على قيادة الحكم. وقديماً قال أحد الحكماء: "كلما تقدم بي العمر أصبحت أقل اهتماماً بأقوال الآخرين وأكثر اهتماما بما يفعلونه" تلك الرؤية يتطلبها المتصدي للتحليل السياسي، فالاهتمام يجب ان ينصب على الأفعال لا الأقوال وأن تم أخذها في الاعتبار مع تجميع كامل تفاصيل الصور وفكها وتركيبها لرؤية المشهد الحقيقي، لا ما يراد لنا أن نراه عبر عملية محكمة للخداع السياسي والبصري، يستخدم فيها أذرع إعلامية ودعائية مضللة. ما يحدث في مصر صراع محموم على السلطة وبسط النفوذ السياسي وحجز موضع قدم يضمن صلاحيات دستورية، طرفاه المجلس الاعلى للقوات المسلحة والأجهزة السيادية المعاونة له من جانب وجماعة الإخوان المسلمين من جانب آخر وعلى الهامش ما تبقى من قوى الإسلام السياسي والقوى الليبرالية والاشتراكية، فيما تبعثرت القوى الثورية الحقيقية والتي لا يشغلها المكاسب التنظيمية لافتقادها للتنظيم من الأساس رغم تمسكها بأهداف الثورة وحلم الإصلاح الحقيقي في البلاد واستعدادها للتضحية بالغالي والنفيس من أجل إنجاح الثورة التي مازالت تتأرجح ما بين نظام يسعي لإعادة بناء نفسه عبر انقاضه، وجماعات الإسلام السياسي التي تسعي لاختطاف أرباح الفعل الثوري الذي فوجئت به مثلها مثل الكثيرين في 25 يناير 2011 قبل أن تتدارك الحدث وتقفذ وسط الجماهير الثائرة، لتفاجأ الجميع بعد ذلك بحديث متعالٍ عن حمايتها للثورة والثوار في موقعة الجمل. مازلت اذكر تصريح د. محمد مرسي الذي يشغل الآن رئاسة حزب الحرية والعدالة ذراع جماعة الإخوان، صبيحة 25 يناير حين شدد على أن الجماعة ستشارك فقط بتمثيل نسبي في المظاهرات بعدد 500 أخ فقط على مستوى الجمهورية، كان هذا التصريح في الحادية عشرة صباح يوم عيد الشرطة، والذي شهد تفجراً للمظاهرات وتزايد اعدادها مع دقات الثانية ظهراً، ليعكس امساك الإخوان للعصى من المنتصف، ففي حال نجاح المظاهرات يقولون نحن شاركنا ولا يتهمون من القوى السياسية بالهروب كما حدث في أحداث 6 إبريل بمدينة المحلة الكبرى 2009، وحال قمع المتظاهرين يكون الإخوان خارج الصدام فلا يتلقون ضربات أجهزة الأمن، غير أنهم فوجئوا بالحشود فدفعوا بالمزيد من اعضاء الجماعة. المجلس العسكري منذ تسلمة السلطة، وضع إستراتيجية امتصاص الفعل الثوري، ورغم الانتقادات التي وجهت إليه من الليبراليين لاتخاذه إجراءات في ظاهرها إفساح المجال لتمكين الإخوان من الحكم وفي مقدمة ذلك مرسوم قانون تقسيم الدوائر وتنظيم الانتخابات البرلمانية، فإن الخفي كان تكتيكا مدروسا لدفع الإخوان إرادياً نحو فخ الاستحواذ وإثارة لعاب الجماعة على الحكم، ومن ثم عزلها كقوة تنظيمية وحلفائها من تيارالإسلام السياسي عن القوى الثورية من شباب وحركات ليبرالية. فصل التنظيميين عن الثوريين تم عبر خلق دوائر انتخابية بمساحات جغرافية واسعة، يستحيل معها على الشاب الثوري أو الأستاذ الجامعي والساسة المستقلين خوض تلك المنافسة في معركة انتخابية عمر دعايتها قصير جداً فمن أين لهم بالأموال التى تغطي تكاليف الحملة، وبذلك حصرت الإجراءات الجديدة المنافسة بين الإخوان ذلك الفصيل صاحب الخلايا المنتشرة في القرى والنجوع والمدن وبقايا الحزب الوطني المنحل مالكي الثروات عبر زواج غير شرعي بين المال والسياسة في عهد نظام مبارك، وكان من المفيد دفع قيادات السلفيين المعروف عن غالبيتهم التنسيق مع الأجهزة الأمنية في عهد مبارك لخوض غمار المعترك السياسي، لتحقيق هدفين: الأول الخصم من أرضية الإخوان والحد من استحواذهم على نسب مقاعد تتجاوز ال 50% كون السلفيين ينافسون بنفس أوراق الإخوان العزف على وتر الدين ومساعدات الفقراء والثاني: التأثير سلباً على سمعة تيار الإسلام السياسي جماهيراً نتيجة الأخطاء المتوقع ارتكابهم لها والناجمة عن كونهم لا يزالون في مرحلة المراهقة السياسية، وتحقق ذلك بأفعال البلكيمي والأذان في البرلمان وطرح مشاريع قوانين على شاكلة حد الحرابة في الوقت الذي تجاهل فيه البرلمان قضايا هامة وعاجلة، كما كان من المتوقع الصدام بين السلفيين والإخوان نتيجة فارق الخبرة والتشدد. التكتيك والخطط الاستراتيجية للمجلس العسكري والاجهزة المعاونة، يمكن للمتابع المدقق عن كثب أن يكتشف، أنها استهدفت جذب الخصم إلى مساحات مكشوفة جعلته يقف فيها عارياً أمام الرأي العام من دفاعاته ومناوراته تمهيداً لحسم المعركة. كان العزل يستوجب تمكين الإخوان من برلمان منزوع الدسم لتتحول من جماعة تحرض الجماهير ضد السلطة الانتقالية للبلاد مستغلة الحشود الثورية في الميادين، إلى جزء من السلطة فتقاطع المليونيات الشبابية وتدفع بإتجاه التهدئة، فتثار شهيتها للاستحواذ على كامل السلطة والانفراد بها ظناً منها أن الفرصة التاريخية مواتية ومن ثم دفعتها انتهازيتها السياسية لعزل نفسها إرادياً عن الجماهير وواجهت القوى الثورية الرافضة للانصياع لرغباتها ومقتضيات صفقتها الخادعة، فبدأت استعراض العضلات بمليونية الشريعة الإسلامية بمشاركة السلفيين ثم قاطعت المليونيات الشبابية لإحباطها، ثم حشدت بهدف التفريغ المباشر للميدان في مليونيات أخرى لمنع الشباب الثائر من مواصلة الاعتصام في ميدان التحرير، لتنتقل بعد ذلك للاحتفال الفردي في الذكرى الأولى ل25 يناير بينما رفض الجميع لفظ الاحتفال ورفعو شعارات تطالب بحق الشهداء واستكمال أهداف الثورة وحدث مشاجرات بين اعضاء من الجماعة وشباب ثوري غاضب في مؤشر واضح على انعزال الجماعة كقوة تنظيمية عن القوى الثورية. مواقف الإخوان المحتفلة بالثورة كانت ناجمة عن سوء تقدير موقف ونظرة ذاتية حيث رأت باستحواذها على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان أنها حققت نجاحا يستوجب الاحتفال، دون النظر لما تحقق من أهداف الثورة أو حقوق الشهداء. لكن كيف حصل الإخوان والسلفيون على أغلبية الأصوات بما جعلهم يدعون حصولهم على الأكثرية البرلمانية في الشارع؟ الإجابة تكمن في المقارنة البسيطة بين حجم المصوتين في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ففي مجلس الشعب خرجت أغلبية الجماهير متأثرة بحماس الثورة والرغبة في المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة والبعض من الفقراء والبسطاء وهم كثر خشية الغرامة المالية المغلظة والتي أعلن عن أن قيمتها 500 جنيه، فكان ذلك في مصلحة التيار الديني المنظم كونهم أقدر على استقطاب هؤلاء المصوتين وتوجيه البسطاء منهم لصالح " الصالحين" بعد أن ذاقوا لسنوات مرارة حكم "المزورين الفاسدين". غير أن انتخابات مجلس الشورى جاءت كاشفة للحجم الحقيقي للإخوان والسلفيين في الشارع، فنسبة التصويت لم تتجاوز في حدها الأقصي 15% من إجمالي من لهم حق التصويت، والمعروف عن أعضاء الجماعات الدينية الحرص الشديد على المشاركة والالتزام بمناصرة أعضاء التيار الديني، وبفرض أن منافسي الإسلاميين في انتخابات الشورى من ليبراليين ومستقلين حشدوا 5% من الأصوات فإن ذلك يكشف أن العضويات الفعلية في جماعات الإسلام السياسي لا تتجاوز 10% من الشعب المصري، وهذا لا يتناقض مع زيادة نسب نجاح الاخوان في الشورى فمع تضاؤل أعداد المشاركين في التصويت تكون الغلبة للأقلية المنظمة القادرة على حشد أعضائها. هنا وقف الاخوان والسلفيون فرحين بما أوتوا من مقاعد، ليفاجأوا بأنهم في برلمان منزوع الدسم، لا يملك وفقاً لنص الإعلان الدستوري من أمرهم شيئاً، فتشكيل الحكومة اختصاص المجلس العسكري، وإعفاء أعضائها من المسئولية بيده، وكاميرات التليفزيون التي صنع لها قناة خاصة مسلطة على الجلسات، فرح أعضاء البرلمان بالكاميرات في البداية وتسابقوا في إطلاق القذائف الحنجورية ظناً أن ذلك في صالح دعايتهم السياسية واكتساب الشعبية، لكن من أمر بإطلاق القناة كان أبعد رؤية، كان يستهدف تعرية اصحاب الشعارات امام الرأي العام الذي ارتفع سقف طموحة منتظرا الانجازات التي لم تتحقق فالبرلمان الذي رحب بالجنزوري وحكومته وهاجم الشباب الثائر الذي رفضها واعتصم أمام مقرها ووصفهم بالمأجورين مثيري الفوضي، هو نفسه الذي أوصي بعد شهور معدودة بسحب الثقة من الحكومة، فكان الرد ليس من صلاحياتك، فبات البرلمان بلا حيلة أمام الرأي العام مع تزايد الأزمات. هنا بات المجهول للرأي العام معلوم بالضرورة، صفقات ولعبة عض الأصابع والخاسر من سيصرخ أولاً، المجلس العسكري يريد رئيسا وحكومة مؤتمنة على مصالحة ومصالح البلاد تعكس وسطية المصريين، والإسلاميون يلهثون للاستحواذ على الحكم وإدارة البلاد وفقاً لرؤيتهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية تمهيدأً لتقليص صلاحيات الجيش وفقاً للتجربة التركية، متجاهلين أن هناك من فجر الثورة ومن دفع ثمنها وغالبية الشعب المصري، لكن السؤال هل صدام البيانات الذي انتهى إليه المطاف بين العسكر والإخوان سيصل بهم لتجربة 1954 بنزول الإخوان للشارع بمفردهم في مواجهة الجيش فيسهل القضاء عليهم؟ أم أن إدراكهم لواقع ما آلت إليه أحوالهم وانقلاب الرأي العام عليهم سيدفعهم للتراجع والانصياع لرغبات المجلس العسكري ودعم المرشح الرئاسي الذي يرتضيه؟ وهل سيقبل العسكر صفقة مع الإخوان بعد أن وهنت قواهم في الحشد؟ وهل سيمنحهم ضمانات؟ لذلك حديث آخر.