تعددت الوسائل والدمار واحد في بلدة خزاعة على الشريط الحدودي مع إسرائيل شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة التي تحولت إلى كومة من الركام والحجارة بفعل العدوان الاسرائيلي الذي دام لمدة شهر. لم ينج منزل من منازل البلدة الصغيرة التي يقول سكانها إن الزعيم الراحل ياسر عرفات وصفها بأنها "عروس الريف الفلسطيني" من قذيفة مدفعية أو صاروخ طائرة حربية أو بدون طيار..المساجد بيوت الله أصبحت أثرا بعد عين والمآذن الشامخة سوتها آلة الحرب الغادرة بالأرض. ولم تنته فصول المأساة في البلدة المنكوبة عند ذلك،بل استشهد العشرات من أبنائها وأصيب المئات من سيل القذائف والصواريخ التي انهمرت كالمطر على المنازل وكل شىء متحرك، ووصل الأمر الى عمليات اعدام ميداني للمواطنين العزل. ويحكي الحاج إسماعيل أبو ريدة قصة استهداف خزاعة لوكالة أنباء الشرق الأوسط فيقول :"منذ اليوم الأول للعدوان البري في 17 يوليو الماضي تعرضت خزاعة لحصار مشدد وللقصف المدفعي على مدار الساعة، وبعدها بأربعة أيام بدأ جيش الاحتلال فى ارسال رسائل تحذيرية لنا على التليفونات تطالبنا بالخروج من منازلنا". ويضيف الرجل الستيني والألم يكسو وجهه:"لم نتوقع كل هذا الغدر والغل وتدمير الانسان والحجر والشجر، قصفوا منازلنا بالمدفعية والطائرات وقتلوا وأصابوا أعدادا كبيرا منا مما اضطرنا للنزوح إلى غرب خان يونس أو لدى بعض الاقارب". وتابع:"عندما حدثت هدنة لمدة 72 ساعة، عدنا الى خزاعة ففوجئنا بحجم الدمار ولم نستوعب ما حصل حتى الآن..80% من البيوت وشبكة الكهرباء والمياه والاتصالات مدمرة ". وتبلغ مساحة خزاعة التي تحاذي الشريط الحدودي مع إس ما يقرب من 4000 دونم (الدونم ألف متر) ، في حين يبلغ عدد سكانها حوالي 11 ألف نسمة،ويقطنها عدد من العائلات أبرزها عائلات أبو ريدة والتي لها امتدادات في مصر والنجار وآل قديح والقرا. ويقول الحاج إسماعيل "خزاعة سماها الرئيس الراحل "أبو عمار" بعروس الريف الفلسطيني، فكل منزل هنا عبارة عن سلة غذائية متكاملة..الاراضى مزروعة بما تشتهيه الانفس وتلذ الأعين من أشجار الزيتون والحمضيات والخضروات لكنهم قصفوا كل شيء وحتى المناحل لم تسلم من القصف. ويؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ومقره غزة في أحد تقاريره الميدانية، أن بلدة خزاعة بأكملها وحي الفراحين في عبسان الكبيرة شرق خان يونس لم يعودا صالحين للسكن. وذكر المركز ان هناك دمارا هائلا يشبه الزلزال في المناطق الحدودية وهناك تدمير ممنهج للبنية التحتية ،ويبدو ان جيش الاحتلال اتبع في تلك المناطق سياسة "الأرض المحروقة". ومن جانبه يقول فؤاد عبدالله احد سكان البلدة:"ما حدث كأن زلزال شديد ضرب بلدتنا الصغيرة أو قنبلة نووية ألقيت عليها أو حدث لها كارثة أفظع من تسونامي". وأضاف:"لم نترك بيوتنا في البداية ظنا منا أن الامور سوف تنتهي مثل الحربين السابقتين على القطاع والتي تعرضت خلالهما خزاعة للقصف لكنه لم يكن بهذه الفظاعة". وشنت إسرائيل خلال الاعوام الستة الأخيرة حربين واسعتين على قطاع غزة الأولى أطلقت عليها عملية "الرصاص المصبوب" (27 ديسمبر2008-17 يناير 2009) وادت الى استشهاد نحو 1400 فلسطيني وإصابة حوالي 5 آلاف آخرين، والثانية أطلقت عليها "عامود السحاب" واستمرت 8 أيام (14-21 نوفمبر 2012)، وأدت الى استشهاد نحو 160 فلسطينيا واصابة المئات. ويشير فؤاد الى مسجد "صلاح الدين" المقابل لمنزله الذي قصفه جيش الاحتلال ويقول غاضبا:"ما ذنب هذا المسجد؟ وما علاقة استهداف المساجد والمنازل والمدنيين بالبحث عن الانفاق او المقاومين؟. وأردف:"القصف طال كل شيء لدرجة أنه تم تدمير 10 مساجد تدميرا كاملا..والمسجد الوحيد القائم حاليا معرض للسقوط في أية لحظة من شدة الأضرار التي لحقت به". وأضاف:"لقد أعدموا ميدانيا 6 مواطنين في أحد المنازل وتم العثور على جثثهم متحللة في أحد حمامات المنزل..كما قتلوا عجوزا كفيفة ومعاقة نسيها أهلها في غرفتها أثناء فرارهم من شدة القصف ويبدو أنها من شدة الجوع زحفت على قدميها حتى خرجت من المنزل فأعدمها جنود الاحتلال برصاصة في رأسها بدم بارد". وأضاف متحسرا:" لا يوجد بيت سليم..والقائم منها متهالك لا يصلح للسكن وما دمره الاحتلال في الحروب السابقة لم يتم اعادة اعماره بعد ، وما تم بناؤه بعد عدوان 2008 قصفوه في هذه الحرب ورجعونا لنقطة الصفر مرة أخرى". من جهته،يصف محمد النجار (30 عاما) الذي عاد إلى تفقد منزله ، الدمار الذي حل بخزاعة بأنه الأكبر على مستوى القطاع، وقال :"البلدة تحولت إلى مدينة أشباح ومن نجا من الموت قصفا لم ينج من الموت جوعا وعطشا، وحتى الجرحى استشهد عدد كبير منهم بعد منع قوات الاحتلال اسعافهم". واضاف:"خلال العدوان،إذا هم أحد بالخروج من البلدة ،استهدفته المدفعية الإسرائيلية بقذائفها،أو أطلق عليه القناصة المتمركزون أعلى المنازل المرتفعة النار بشكل مباشر،كما اعتقلت قوات الاحتلال عددا من المواطنين خلال محاولتهم المغادرة ونفذت بحقهم عمليات إعدام ميدانية". ومن بين الروايات التي نقلتها وسائل اعلام محلية عن ناجين من مجزرة خزاعة أن قوات الاحتلال أطلقت النار على الطفل معتصم محمد أحمد النجار (4 سنوات) وهو في حضن والدته أثناء مغادرة مجموعة من المواطنين البلدة وهم رافعين الرايات البيضاء مما أسفر عن إصابته برصاصة في صدره وأجبر الاحتلال والدته على تركه على الأرض ينزف حتى استشهاده. ويطالب جمال أبو ريدة (مدرس) وسائل الاعلام والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بكشف كل هذا الدمار والخراب وتوثيق جرائم الحرب الاسرائيلية ضد المدنيين الابرياء وفضح دعاوى جيش الاحتلال الالتزام بالاخلاقيات خلال الحروب. كما طالب مصر الدول العربية بمد يد العون والمساعدة والدعم للشعب الفلسطيني لتعزيز صموده في وجه العدوان ، وفتح معبر رفح لادخال مواد البناء لاعادة اعمار هذا الخراب الذي يحتاج الى سنوات طويلة.