كنت قد عزمت الأسبوع الماضى على الحديث عن المغرب الشقيق بعد نوبة من الإساءة التى نالته من احدى الإعلاميات، ورأيت أن من واجبى أن أغوص مع القراء الأعزاء فى بحر هذا البلد الكريم الذى لم ينل حظه من التعريف ، رغم العلاقات القوية بين مصر والمغرب رسميا وشعبيا .. يقينا.. احترت بما أبدأ به عن هذا البلد الجميل ، ففضلت ونحن نودع آخر أيام عيد الفطر المبارك -أعاده الله على أمتنا العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات - أن أتحدث عن قاسم مشترك يهواه المصريون ويشتهر به المغاربة ، مفضلة الابتعاد عن الاوضاع السياسية حتى حين .. أتحدث اليوم عن (الشاى) الذى يطلق عليه فى المغرب (آتاى) ، فله حكايات وحكايات.. تجعل من يقرأ عنه يشتاق لرشفة منه .. فحينما يدوي في المكان صوت عال وانت فى ضيافة أسرة مغربية .. سوف تنصت الأذان وتلتفت الأنظار لحركة دقيقة وعالية للغاية ، تدرك معها أن كئوس الشاى او الاتاى قد حلت ترحب بالقدوم.. وكأنها تغرد له .فبهذا الإبريق الذي يباهي بما فيه.. ويتوسط دائرة مذهبية تحتضن الكئوس يرحب بك المضيف، مقدما لك بطريقة ساحرة يرتفع بها الإبريق (الاتاى). و (الاتاى) يرتبط بالصحراء.. بالشعر.. بالكرم.. بالصحة..يمتزج بأمسيات السهر..وحلقات النقاش السياسي..ويقدمه المغاربة محلي بالسكر، وهو من مصدر نباتى مستورد من الشرق الأقصي عبر أوروبا ليصبح المشروب الرئيسي بالمغرب الصحراوي في زمن قياسي ، ليتفوق (الاتاى) على حليب الابل المنتج المحلى الذى كان يحتل المركز الاول لالاف السنين كمشروب للاستقبال . والشاى وهو بالطبع مضاف اليه أعشاب مغربية تعطيه نكهة رائعة .. فن اعداده يتطلب معرفة وقدرة متميزتين حتي لا يقع أدني خلل في التوازن بين مختلف المواد المكونة للمشروب، ويستغرق الاعداد وقتا وجهدا ، حيث يتطلب أباريق ثلاثة متتالية أولها قوي, والثاني متوازن تضاف اليه أحيانا مواد أو أعشاب معطرة كالنعناع, والاخير ضعيف, لذلك يقال إن الاول مر كالحياة والثاني لطيف كالحب والثالث خفيف مثل الموت. فالابريق الاول كبير يستخدم لغلي الماء, أما الصغير فيوضع فيه الشاي الذي يتم غليه مع القليل جدا من الماء ليرمي علي الفور ثم يسكب عليه الماء المستمر في الغليان وترمي فيه قطعتان كبيرتان أو ثلاث من السكر القالب التقليدي والنعناع, وبعد الانتظار قليلا يسكب القليل ليتم تذوقه, وتملأ كأس, اثنتان لتفرغا من جديد في ابريق الشاي الصغير ويقدم المشروب في الاخير إلي الحضور. ومنذ دخول الشاي الصحراء أبدع الصناع يحتفون بالابريق والصينية والكئوس والسكرية,وتطورت اواني تقديم اللاتاي عبر العصور.. حيث بدأت مستوردة من أوروبا, فأصبح للشاي طقم كامل يتكون من12 قدحا أو فنجانا مع أطباقها, وإبريق, وعلبة شاي وعلبة سكر واناء مخصص للماء المغلي, وكان الشاي يقدم في فناجين خزفية صغيرة,ثم تطور إلي كوب, ما بين كونه مذهبا أو شفافا مضلعا,وغدت هذه الاحتفالية مرتبطة بالتحولات التاريخية. ولهذا "الاتاى" فوائد صحية جمة كما يقول المغاربة .. منها أنه يساعد علي حرق الدهون,وأنه من مضادات الاكسدة و يساعد الكبد علي أداء وظيفته بشكل أكثر فعالية، ويخفض مستوي السكر في الدم, ويحمي القلب من الأمراض,ويمنع تشكل الجلطات الدموية غير الطبيعية. ولا يشرب الشاي بهدف الاستمتاع به فقط ولكن لتوفير الفضاء المناسب للمناقشة والتفاوض وطرح الأمور الجدية، لذلك أصبح إعداده عملا محاطا بالوقار وممارسة مليئة بالمعاني الطيبة.. ويعد قاسما مشتركا بين المصريين والمغاربة .. وان اختلفت المسميات وطريقة الاعداد.. على اى حال ليس من قرأ عن الاتاى كمن تذوقه.. ونواصل الأسبوع القادم الحديث عن المغرب الشقيق.. ان كان فى عمرنا بقية.