توقفت كثيراً أمام اعتذار جوزيف بلاتر لدولة البرازيل وشعبها ورئيستها ديلما روسيف والاتحاد البرازيلى لكرة القدم.. تقدم بلاتر بهذا الاعتذار كلاماً وكتابة قبل يومين بعدما شعر البرازيليون بالإهانة والغضب نتيجة تصريح قاله جيروم فالك، سكرتير عام «فيفا»، أول الأسبوع الحالى حين أشار ساخرا إلى أن البرازيل تحتاج إلى ركلة فى مؤخرتها حتى تسارع بإكمال استعداداتها لاستضافة المونديال المقبل بعد عامين.. قال جيروم فالك ذلك فشعر البرازيليون بالإساءة.. فتحدثت الصحافة والشاشات هناك عن ذلك.. وفوجئ جوزيف بلاتر بذلك فسارع بالوقوف أمام الصحفيين يعتذر علنا لكل البرازيل عما قاله سكرتير «فيفا».. ولم يكتف بلاتر بذلك وإنما أرسل رسائل اعتذار رسمية وشخصية لرئيسة البرازيل ووزير رياضتها ورئيس اتحادها الكروى.. وقررت الحكومة البرازيلية نشر هذه الرسائل فى الصحافة.. وقرأ الناس هناك وتأكدوا من اعتذار بلاتر باسم «فيفا» لكل البرازيليين وقبلوا هذا الاعتذار وانتهت الأزمة قبل أن تكبر، واضطر الجميع لإغلاق الملف قبل أن تشتعل أوراقه.. وهذا بالضبط هو ما توقفت أمامه.. فلم يكن بلاتر مضطراً لتقديم هذا الاعتذار.. وكان بإمكانه أن يدافع عما قاله السكرتير العام محاولاً العثور على ألف تبرير، أو أن يهاجم البرازيل وينتقد تأخرها فى الاستعداد للمونديال أو حتى يهدد باحتمال سحب المونديال من دولة ثبت عدم التزامها بالمواعيد المتفق عليها.. إلا أن بلاتر لم يفكر ولم يلجأ إلى أى من ذلك.. وبمنتهى الثقة والهدوء وقف أمام الجميع وقبل أقل من ثلاثة أيام يتقدم باعتذار صادق وحقيقى وعلنى.. لم يشعر بلاتر وقتها أن هذا الاعتذار سينتقص من قدره ومكانته كرئيس ل«فيفا» أو أنه سيظهره للعالم كرئيس ضعيف وقليل الحيلة أو أنه سيعنى انتصاراً ساحقاً للبرازيليين على «فيفا» ورئيسه وسكرتيره العام.. وفى استطاعتى الآن الاستطراد أكثر من ذلك وأتوقف أمام ألف حكاية رياضية أخرى تدور كل تفاصيلها عن مثل هذا الاعتذار الذى يطفئ حرائق ويخمد ثورات غضب وحقد وانتقام.. نجوم ومسؤولون كبار مثل فيرجسون ومورينيو ورونى وبيكهام وبلاتينى ورونالدو وبيكنباور وبيرلسكونى جميعهم اعتذروا حين أخطأوا أو حين لم يفهم الناس مقاصدهم وتصريحاتهم.. مصر وحدها هى التى أصبحت مؤخرا لا تعترف أو تعترف بهذا الاعتذار.. لا تراه فضيلة واعترافاً بخطأ أو حق وإنما تتعامل معه باعتباره فضيحة وإهانة وتقليلاً من القدر والشأن.. حتى الاستثناءات القليلة التى شهدتها الساحة الكروية المصرية.. لم يتوقف أمامها الكثيرون بل حاول البعض تشويهها وإفساد كل معانيها.. فحين تقدم الوايت نايتس باعتذار مكتوب ومعلن عن أى أخطاء ارتكبوها فى الماضى.. لم يصغ لهم أحد.. وحين اعتذر ألتراس الأهلى لشيكابالا توقف الكثيرون أمام ذلك دون أى حفاوة واهتمام بعكس الحال حين كان الهجوم على شيكابالا قاسياً ودائماً.. وتعامل الآخرون مع اعتذار الوايت نايتس لعماد متعب باعتباره خبرا ثانويا لا يستحق أى إشارة أو إشادة وإنما بسرعة وعلى استحياء.. أيضا لم يرحب كثير من الإعلاميين باعتذار ميدو لبركات وشعروا بالانزعاج والضيق لأن هذا الاعتذار سيغلق ملفا صاخبا ومثيرا وممتعا.. فقرروا أن يذكروا هذا الاعتذار مع التأكيد على أن ميدو كان يعارض هجوم شيكابالا على جمهور الأهلى.. كأنهم أرادوا إطفاء شرر صغير ليحافظوا على نار أكبر لا يريدون إطفاءها.. وبات من المؤكد أننا فى مصر فقدنا أو نسينا ثقافة الاعتذار أو فضيلته.. لم نعد نشهد أحدا يعتذر إن أخطأ أو تجاوز أو أساء إلى أحد عامدا أو دون قصد.. بل إننا فى مأساة استاد بورسعيد لم نجد أى أحد على استعداد لأن يعتذر مطلقاً.. وكأن مذبحة راح ضحيتها أربعة وسبعون شهيدا بريئا ليس فيها ما يستوجب الاعتذار.. مع أن كلمة اعتذار واحدة وحقيقية كانت كفيلة بإطفاء كثير من النيران بدلاً من كل هذه العصبية والقبلية وعشق الفتن. نقلاً عن المصري اليوم