وسط حالة من تردي أوضاع الأسرة المصرية، وعلى وجه الخصوص الأطفال والنساء، وتزايد معدلات الفقر والأمية والعنف بكل أشكاله، ومنظومة متردية لحقوق الإنسان نتيجة ما شهدته البلاد من ظروف سياسية وأمنية واقتصادية، سبقتها سنوات من الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، تزيد حدة نزيف إهدار المنح الدولية تحت سمع وبصر الجميع. تصر المنظمات الدولية بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية والأهلية على ابتكار برامج وهمية لتوزيع المنح بغض النظر عن مردود تلك المنح التي يحتاجها المواطن المصري، بل هو في أمس الحاجة لها لحل مشاكله العاجلة، والتي تعد حقا دستوريا، منها الحق في العلاج في حالات الطوارئ، والعلاج من الأمراض المزمنة، وحق المواطن في العدالة الاجتماعية وحمايته من الفقر المدقع، بل ولصون كرامته الإنسانية من الحاجة والعوز. تتفنن المنظمات الدولية بالتعاون مع بعض الجهات في توزيع هذه المبالغ، وتندهش من فن كتابة المشروعات، شيء لزوم الشيء، وبنفس طريقة أفلام نجيب الريحاني الشهيرة. في وقت يتحدث فيه الرئيس السيسي عن أهمية ترشيد النفقات واستخدام الدراجات بدلا من السيارات، كوسيلة لها العديد من الفوائد منها خفض معدلات استخدام الوقود، وتخفيف حدة الزحام، نرى نزيف الإهدار في رحلات مكوكية لأوروبا، وزيارات ووفود، ومكافآت باهظة لحكوميين متحديين جميع القرارات واللوائح التي تحدد ضوابط صرف مكافآت للعاملين بالجهاز الحكومي للدولة!! لا يقف الأمر عند ذلك، ولكن يتضمن جميع اللوازم الأخرى من حفلات في فنادق 7 نجوم، وإقامة فاخرة، وخدمات تنظيف وكي ومستلزمات كتابية تتضمن شنط فاخرة، وتابلت أو آي باد، و.. و... إلخ. والغريب هو أساليب صرف شيكات مالية بأسماء موظفين بدون إخطار الجهات المعنية، ولا عزاء لخزينة الدولة.. بل تندهش من عدم طلب الجهات المانحة لأي تسويات أو مستندات صرف! لتتساءل كيف يتم ذلك؟ وسط غياب آليات التنسيق بين الجهات المعنية، وغياب الرؤية، والازدواجية، تزداد وطأة نزيف إهدار المنح الدولية.. ولم لا فكل جهة تعمل بمعزل عن الجهة الأخرى، الكل معن بشخصنة الأمور لتصبح القضايا الإنسانية والحياتية للمواطن المصري ملكا لسين أو صاد، وليذهب المواطن المريض بالأمراض المزمنة والخطرة إلى الجحيم.. يموت الطفل حديث الولادة قبل أن يصل به أهله إلى حضانة.. يموت مريض السرطان قبل أن يحصل على سرير في مستشفى.. ينتهك طفل الشارع لأن المنح المخصصة له يقضي بها المعنيون أوقات سعيدة في المتنزهات الشتوية والصيفية.. يتحملون مشقة السفر بالطائرة والغياب عن منازلهم لحضور اجتماعات وورش عمل لإعداد استراتيجيات وتوصيات لأجل أطفال الشوارع!! ويعودون في منتهى النشاط والهمة محملين بتوصيات وأوراق رائعة وحوارات إعلامية براقة!! وأيضا مكافآت من المنح الدولية وسط تصفيق حاد من المانحين لنجاحهم في صرف المنح وفرتكتها بجدارة!! المبهر هو آليات ابتكار اللجان الوهمية وحرص الجميع على عدم وجود نظام، لأنه وببساطة النظام هو عدو الفساد وسيساهم في وقف وإفساد نزيف إهدار المنح.. النظام سيرسم صورة حقيقية، سيلزم الجميع بتقديم كشف حساب عن المنصرف وما يوازيه من إنجاز!! وهو الأمر غير المستحب لأنه سيكشف المستور! والمستور ليس فقط إهدار للمال العام، بل يتجاوز ذلك لأنه مرتبط بمصالح شخصية، وبالمناسبة يتحجج البعض بأن هذه الأموال مش بتاعتنا وليست من موازنة الدولة، متناسين أنها من حصة مصر الدولية، وكل مليم محسوب علي مصر وشعبها المغلوب على أمره!! بالفعل عانى المواطن ومازال يعاني من عدم شعور المسئول بالمسئولية أو عدم الضمير!! أستغرب من المسئول الذي يستغل سيارات الحكومة يوميا هو وأسرته، ذهابا وإيابا متباهيبا بالمنصب والكرسي، محملا الدولة تكلفة هذه الانتقالات بلا مردود على المواطن المصري صاحب الحق في كل مليم. وأتساءل: ما الفرق بين من يستحل الرشوة ومن يهمل في حق الرعية.. من يستبيح نزيف المنح المخصصة للمواطن بحجج يعلم جيدا أنها وهمية ولا تعود على الوطن بالفائدة بل وفي بعض أو معظم الأحيان تضر ضررا بالغا بالأمن القومي للوطن. وفي النهاية.. أو الخلاصة من يوقف نزيف إهدار المنح الدولية؟؟؟؟؟ العدالة الناجزة ومحاسبة المتورطين في جرائم إهدار المال العام والإبلاغ عن متخصصي نزف أو نسف المنح الدولية هو حل من الحلول التي ستساهم في وقف نزيف بيزنس المنح الدولية، لصالح ولأجل المواطن المصري ولصالح مصر.