في قلب مكةالمكرمة، حيث يتجمع الملايين كل عام لأداء فريضة الحج، شهد موسم 1446ه/ 2025م انخفاضًا ملحوظًا في أعداد الحجاج، ليثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع، هل كانت مأساة العام الماضي، التي راح ضحيتها أكثر من 1400 حاج بسبب الحرارة الشديدة، هي السبب؟ أم أن الإجراءات التنظيمية الصارمة التي فرضتها السعودية لضمان سلامة ضيوف الرحمن هي من أعادت تشكيل مشهد الحج هذا العام؟ فيما وصل عدد الحجاج المصريين الذين توفوا خلال أدائهم للمناسك العام الماضي، إلى نحو 672 شخصًا، فهل ذلك الحدث هو السبب وراء انخفاض أعداد الحجاج خلال العام الحالي؟ وهل هناك حقًا انخفاضًا في أعداد الحجاج؟ وما أسبابه؟ وما دور الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لتنظيم الحجاج ومنع تكرار مأساة العام الماضي؟ قسم صحافة البيانات في «المصري اليوم» حلل أعداد الحجاج خلال المواسم الحج السابعة الماضية، وفق بيانات «الهيئة العامة للإحصاء السعودية» والتى كانت قد أعلنت أن إجمالي أعداد الحجاج لهذا العام بلغت نحو المليون و674 ألف حاجّ وحاجَّة. وبمقارنتهم بعدد حجاج العام الماضي البالغ عددهم مليون و612 ألف حاجّ وحاجَّة، أظهرت البيانات أن الفارق بين حجاج العامين لم يتجاوز ال 6% بعدد 105 ألف حاج. وهو ما لم يشكل فارق كبير في الانخفاض الملحوظ الذي شهدناه. إجراءات تنظيمية تزامن مع هذا الانخفاض عدد من الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية قبل موسم الحج، ففي أبريل الماضي أوقفت السعودية إصدار التأشيرات قصيرة المدى ل14 دولة من بينها مصر والأردن والعراق واليمن، استعدادًا لموسم الحج المقبل. ومن بين التأشيرات التي ألغيت تأشيرة العمرة والعمل وزيارة العائلة في حين أكدت وزارة السياحة السعودية أن إصدار التأشيرات السياحية لا يزال قائمًا. وبررت السلطات هذا الإجراء بالرغبة في تنظيم الحركة وتقليص أعداد الحجاج غير المسجلين الذين لا يمكنهم الوصول إلى المرافق الأساسية مثل أماكن الإقامة المكيفة، خاصة أنه في السنوات الأخيرة تجاوز العديد من الحجاج مدة تأشيراتهم للانضمام إلى الحج دون تصاريح رسمية مما ساهم في الازدحام وإثارة مخاوف تتعلق بالسلامة. وكانت وزارة الداخلية السعودية قد أعلنت في مايو الماضي أن دخول مكة دون تأشيرة حج نظامية سيٌعرّض المخالفين لغرامة تصل إلى 20 ألف ريال (نحو 5330 دولارا)، مما ساهم بشكل كبير في تقليص أعداد الحجاج الغير نظامين مقارنة بكل عام. وأكدت الوزارة أن نسبة كبيرة من وفيات الحج في العام الماضي كانت بين من دخلوا مكة بطرق غير نظامية دون تسجيل رسمي، وبالتالي لم يتمكنوا من الاستفادة من البنى التحتية الصحية واللوجستية، خاصة وأن الظروف المناخية القاسية تُشكل تهديدا مباشرا على صحة الحجاج. كما أعلنت في وقت سابق أن سبب وفيات الحجاج خلال العام الماضي جاء نتيجة الحرارة الشديدة التي تجاوزت 50 درجة مئوية، وأن 85% منهم من حجاج الزيارة. عدد الحجاج لم يتجاوز كورونا بعد وكشفت البيانات أنه شارك نحو 1.8 مليون حاج في موسم الحج عام 2023، منهم 1.66 مليون من خارج المملكة. ووفقًا لتطور عدد حجاج بيت الله الحرام آخر 6 سنوات، فقد بلغ عدد الحجاج نحو 2.5 مليون حاج في عام 2019. وفي موسم كورونا 2020 هبط إلى نحو 10 آلاف شخص فقط، وفي 2021 أيضًا توقف عند نحو 59 ألف شخص، ليصعد إلى أكثر من 600 ألف في عام 2022، ثم يتجاوز 1.8 مليون حاج في 2023، حسب الهيئة العامة للإحصاء في السعودية. كما أوضحت البيانات أن عدد الحجاج الذكور من الإجمالي العام للحجاج هذا العام، بلغ 879 ألف حاجًّ، بينما بلغ عدد الحاجَّات الإناث من الإجمالي العام للحجاج تجاوز نحو 795 ألف حاجَّةً. وعن طُرق قدوم الحجاج من خارج المملكة، أظهرت البيانات أنه وصل 1،43 مليون حاجًّا وحاجَّة، عن طريق المنافذ الجوية، بينما وصل 66،4 ألف حاجَّا وحاجَّة عن طريق المنافذ البرية، فيما وصل عن طريق المنافذ البحرية 5 ألف حاجًّا وحاجَّة. وبين المركز الوطنى للأرصاد بالسعودية، أن موسم حج هذا العام يُعد الأخير الذي يتزامن مع فصل الصيف، ولن يعود الحج إلى الصيف بعد نحو 25 عامًا. وبحسب تصريحات للمتحدث الرسمي للمركز الوطني للأرصاد بالسعودية، حسين بن محمد القحطاني، فإن المواسم الثمانية المقبلة ستقع في فصل الربيع، تليها ثمانية مواسم في الشتاء، ثم تتجه نحو الخريف. وأوضح القحطاني، أن هذا التغير يأتي نتيجة الدورة الزمنية للتقويم القمري، مشيرًا إلى أن ذلك يعزز فرص أداء المناسك في أجواء أكثر اعتدالًا خلال السنوات المقبلة، مما يقلل من خطر الظروف المناخية القاسية التي تمثل تهديدا مباشرا على صحة الحجاج.