جميعنا يعلم بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد. واضطرت الحكومة إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي لاقتراض 4.8 مليار دولار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولأن للصندوق شروطاً يجب الخضوع لها كي يوافق على ضخ هذا المبلغ. فقد بدأت إجراءات التقشف الحكومي التي أعلن عنها رئيس الوزراء ومنها تقليل النفقات إلى أدنى المستويات الممكنة ومراجعة الأولويات بهدف خفض الإنفاق العام لتخفيض عجز الموازنة. بحيث لا نمس الحد الأدنى المناسب لمعيشة المواطن البسيط الذي سيكون المتضرر الأكبر إذا لم تراع الدولة ظروفه الحالكة كظلام الليل في زمن ارتفعت تكاليف المعيشة نتيجة الارتفاع الجنوني للأسعار بحجة العرض والطلب. وهي في حقيقة الأمر جشع التجار وغياب الرقابة. صراحة هناك إهدار صارخ لموارد الدولة. فرغم تداعيات الثورة المجيدة. إلا أن النفقات الحكومية بالذات مازالت تستنزف الموارد. وكأن شيئاً لم يتغير. ولو حدث بعض التغيير فإنه يسير كالسلحفاة.. لذا لم يشعر به أحد. لأنه كان من البديهي سرعة قيام الدولة بإجراءات تقشفية عقب الثورة بيدها وليس بيد صندوق النقد. الذي كان من الممكن تجنبه كي لانقع في براثنه كما حدث مع اليونان. خاصة أن المبلغ لا يسد الرمق ولا يغني من جوع. وحسناً ما فعلته حكومة الجنزوري عندما رفضت الاقتراض لتأثيره الضار على المطحونين والغلابة. ولكن ما باليد حيلة بعد موافقة حكومة قنديل على الاقتراض. وإن كان زمام الأمور بيدها للرفض الآن. والتنحي عن فكرة الثقة في الاقتصاد المصري لدى المانحين. لأنه بحسبة بسيطة المبلغ الذي سيتم توفيره جراء التقشف الحكومي سيوفر 43 مليار جنيه. أي ضعف قرض الصندوق تقريباً. ولا "الحوجة" للصندوق أو غيره. الحقيقة تستنزف الدولة المليارات في شراء سيارات فارهة للمسئولين وأثاثات فاخرة ومكالمات دولية وهواتف محمول بالملايين شهرياً. واستيراد سلع تافهة ومضروبة أحياناً تربح من ورائها ذوو الضمائر الخربة. بالإضافة إلى المليارات المتمثلة في الأجور الخرافية لكبار الدولة والمستشارين. ناهيك عن مكاتبنا وقنصلياتنا بالخارج بعدد "الليمون" أكثر من أمريكا نفسها والتي في النهاية عائدها ضئيل للغابة. ولا نستفيد منها سوى مزيد من الإرهاق للميزانية دون مبرر ولو قامت الحكومة بالاستغناء عن كثير من تلك المصروفات لوفرنا ال 43 ملياراً وما احتجنا إلى الصندوق. الغريب الذي لا أجد له تفسيراً حتى الآن.. هو موارد قناة السويس التي تبلغ سنوياً حوالي 5 مليارات دولار بمعدل 60 مليار جنيه.. فأين تذهب تلك المليارات التي أكدت دراسة فرنسية قبل بضع سنوات أن دخل القناة وحدها دون تحويلات المصريين بالخارج التي تتعدى 12 مليار دولار سنوياً. منها 8 مليارات من المصريين بالسعودية؟!!. هذا الدخل لو تم توزيعه بالعدل على المصريين لكان نصيب الفرد الواحد 100 دولار أي 600 جنيه. وهو جالس في بيته دون عمل. وأنه في حالة إنشاء مشروعات استثمارية لوجستيه على ضفتي القناة لوصل الدخل 100 مليار دولار سنوياً. وهذا يستفزني شأن غيري لأنه طالما هناك دراسات تؤكد ذلك.. فلماذا لم نسارع بمثل هذه المشروعات؟!. خاصة أن دولاً كثيرة أبدت استعدادها للمشاركة. فالقناة هي الدجاجة التي تبيض ذهباً ونحن لا نقدر ذلك. بل نحاول وأدها.. والدليل دراسة اقتصادية أعدها مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والقانونية والسياسية الذي كشف عن أنه سيتم قريباً طرح القناة للبيع في البورصات العالمية لسد قروض دولية لدول على رأسها واشنطن متمثلة للأسف في شركات صهيونية كبرى. وأن مصر وافقت في 2004 على رهن القناة لشركة استثمارية أمريكية لضمان القروض. وأنه بعد الأزمة العالمية 2008 لوحت واشنطن في صورة تلك الشركة إلى عرض ملكيتها للقناة على شكل أسهم في البورصة الدولية للبيع. وهذه كارثة أن صدقت تلك الدراسة. مطلوب تصريحات طمأنة من الحكومة حول القناة. والرد على كل ما أثير حولها. فنحن نعيش زمن السموات المفتوحة. وما تخفيه الحكومة بالتأكيد تفضحه الفضائيات ووسائل الإعلام لذا فالشفافية والصراحة والمكاشفة مطلوبة. فالقناة ملكاً لكل مصري. لأن أجدادنا هم الذين حفروها واختلطت الدماء بالتراب والعرق. مقابل حفنة جنيهات لا تساوي الجهد الشاق والسخرة طوال العشر سنوات هي مدة حفر القناة التي افتتحت في عهد الخديو اسماعيل عام 1869م. أغدق في حفل الافتتاح عشرات الملايين من الجنيهات على الملوك والأمراء واللوردات الذين حضروا بطريقة "السفيه" الذي لا يدرك ما يفعل. ولو أعطي العمال وقتها عشرات الجنيهات فقط مكافأة لهم لكان أفضل. لأن نفقات الحفل الباذخ أودى في النهاية إلى استدانة الحكومة. وكان سبباً في احتلال مصر بحجة حماية مصالحهم في القناة. نحن في عرض مليم وفي أمس الحاجة للعمل وزيادة الإنتاج. وسرعة إصلاح ما أفسده الدهر على يد النظام السابق الذي "خربها وقعد على تلها". وتركنا فريسة لطمع الطامعين فينا. وللي يبيع ويشتري فينا. حتى صرنا ملطشة للي يسوى واللي ما يسواش!. نقلا عن جريدة الجمهورية