منذ الأسبوع الأول لاندلاع الاحتجاجات في ميدان التحرير في القاهرة، شهدت إدارة أوباما انقسام في النقاش يكشف كيف أن إدارة هيلاري كلينتون ستكون مختلفة عن زميلها في الحزب الديمقراطي أوباما. حثت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية آنذاك، الرئيس بعدم التسرع لأن الأمر قد يستغرق عقدين لإقامة ديمقراطية مستقرة في مصر. لكن مستشاري أوباما الأصغر سنا قالوا له أن التاريخ يتحرك بسرعة ويجب الوقوف مع الجانب الصحيح. بعد ساعة، توقف الاجتماع بشكل مفاجئ وساد الصمت عندما ظهر حسني مبارك على التلفزيون ليعلن أنه لن يترشح لانتخابات الرئاسة في وقت لاحق من ذلك العام دون أن يقول شيئا عن تسليم السلطة، وفقا لأحد المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا حاضرين في الاجتماع. بعد وقت قصير من الخطاب، اتصل أوباما بالرئيس المصري ليقول له اإنه لم يفعل ما يكفي لإنهاء الأزمة. وعلى الرغم من تحفظات بعض كبار المستشارين الأمريكيين- وعلى رأسهم السيدة كلينتون – ألقى أوباما بيانا عاما أعلن فيه أن "الانتقال المنظم والسلمي للسلطة يجب أن يبدأ الآن". وبذلك، بعد 30 عاما من معاملة مبارك باعتباره ركيزة أساسية للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، قرر البيت الأبيض البدء في سحب البساط. أسبوعان من الاحتجاجات المصرية التي أدت إلى استقالة مبارك، كانا أحد الأزمات الكبرى التي واجهت الثنائي أوباما وكلينتون وقد وفرت اختبارا سريع الوتيرة لنواياهم ووجهات نظرهم العالمية. في حملتها لتصبح رئيسا، اقترحت السيدة كلينتون بمهارة أنها ستنفذ نسخة في السياسة الخارجية الأمريكية أكثر انتشارا من أوباما وأكثر احتراما للحلفاء التقليديين وأكثر ثقة حول قدرة أمريكا على تشكيل الأحداث في الخارج. وكانت أزمة مصر جزءا من تلك الحجة، مع تأكيد السيدة كلينتون أن تحذيراتها الأولية حول اتجاه الثورة – التي تم اعتبارها من قبل البعض في ذلك الوقت "غليظة" – قد ثبتت صحتها. وفقا لمقابلات مع المسؤولين الأمريكيين المعنيين في النقاش. كانت الخلافات التي برزت بين أوباما وكلينتون إلى حد كبير بشأن اللهجة والرسائل – بما في ذلك كيفية استجابة بقية المنطقة تجاه تصريحات واشنطن – وليس حول حتمية أن التغيير كان قادم في مصر. السيدة كلينتون لديها سمعة بأنها أكثر تشددا من الرئيس، ويرجع ذلك جزئيا إلى دعمها الأولي للحرب على العراق. وقد تم تعزيز هذا الانطباع في وقت لاحق في عام 2011 من خلال ردود أفعالها تجاه الأزمات في مصر و ليبيا وسوريا. ظهور الشقوق في 28 يناير، جمعة الغضب، اشتبكت الشرطة المصرية مع المحتجين في جميع أنحاء مصر. وفي واشنطن، كانت لحظة بداية الانشقاقات داخل الإدارة الأمريكية حول الثورة الناشئة التي بدأت تصبح واضحة. انقسمت الآراء في غرفة العمليات إلي فريقين. الفريق الأول أتخذ من ثورات 1989 في أوروبا الشرقية كمرجعية لهم، ورأى هؤلاء المستشارين الأصغر في الأحداث التي وقعت في ميدان التحرير فرصة لإقامة علاقة جديدة مع المجتمع المصري. كان من ضمن هذا الفريق نائب مستشار الأمن القومي دنيس ماكدونو وبن رودس، الذي كتب خطاب القاهرة للرئيس عام 2009. وكذلك سنا جون برينان، مسؤول المخابرات المخضرم الذي يدير الآن وكالة الاستخبارات المركزية والذي قال أن وقت السيد مبارك قد نفد. "أعتقدنا أن هذه كانت لحظة 1989 بينما تم السخرية من الاقتراح من البعض الآخر"، يقول أحد المسؤولين المشاركين في المناقشات. في المقابل، اقترحت كلينتون أن الثورة الإيرانية هي قياس أكثر ملائمة. بدعم من مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة للموظفين وجو بايدن، نائب الرئيس، أشارت إلى أن ثورة عام 1979 في طهران تم الترحيب بها كثورة ليبرالية، إلا أنها ذهبت في نهاية المطاف إلى الإسلاميين المعاديين للولايات المتحدة. كان أوباما غير مقرر بعد؛ بعد الاجتماع، اتصل أوباما بالرئيس مبارك لحثه على تلبية بعض مطالب المحتجين لكن الرئيس المصري أصر على أن تلك الانتفاضة ستنتهي في غضون أيام، وفقا لأحد كبار المسؤولين الأمريكيين. وبناء على اقتراح من السيدة كلينتون، حاول أوباما أجراء مناورة أخرى في 31 يناير من خلال إرسال فرانك ويزنر، السفير الأمريكي السابق لدى مصر، إلى القاهرة لعقد لقاء خاص مع السيد مبارك. وأبلغ السيد ويزنر الرئيس المصري انه في حاجة لبدء رسم عملية الانتقال السياسي. وتواصلت الإدارة أيضا من خلال قناة خلفية أخرى. مايكل موريل، نائب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، تم التواصل معه من جهة اتصال مصرية أبلغه أن يتحدث نيابة عن اللواء عمر سليمان. وبدا أنه يسأل ما تحتاج مصر إلى القيام به للحفاظ على جعل الولاياتالمتحدة جانبها. وبعد مناقشة النهج في البيت الأبيض، رجع السيد موريل بالاتصال بالمسئول المصري في 1 فبراير مع بعض الالتزامات المحددة حول تنحي السيد مبارك. ووفقا لمسئولين أمريكيين، قيل له إن السيد سليمان موافق على الأفكار وأقنع مبارك ليعلن عنها في ذلك اليوم. ولكن عندما ظهر الرئيس المصري على شاشة التلفزيون، لم يذكر النقاط المتفق عليها. بدلا من ذلك، استمر في تقديم نفسه على أنه الحل الوحيد، قائلا: "أن أحداث الأيام القليلة الماضية تفرض علينا الاختيار بين الفوضى أو الاستقرار". قلق إقليمي عندما أخبر أوباما فريقه في غرفة العمليات أنه ينوي إصدار بيان حول مصر، نشب الخلاف مرة أخرى. كلينتون كانت تريد مسارا أكثر دهاء. في حين يجب على الولاياتالمتحدة تسليم رسائل صعبة على المستوى الخاص، كانت قلقة من رد الفعل بين الحلفاء في الخليج إذا بدا الأمر كما لو كانت الإدارة حريصة على إجبار مبارك على التنحي. واستمع الرئيس إلى الاعتراضات لكنه قرر المضي قدما. واتفق مع السيدة كلينتون أن الولاياتالمتحدة يجب أن تشجع على "انتقال سلمي" للسلطة وأن الوقت قد حان لإعطاء السيد مبارك إشارة تنبيه أكبر بشكل علني. ووفقا لمسئولون الأمريكيون، حلفاء واشنطن في المنطقة كانوا قلقين بالفعل من الانتقادات الأمريكية للسيد مبارك وبدأت الهواتف ترن. أصر المسئولون السعوديون، بما في ذلك الملك عبد الله بن عبد العزيز،على أن الولاياتالمتحدة يجب أن تقف إلى جانب حليفها في القاهرة. وكانت إسرائيل أيضا تشعر بالقلق العميق حول من سيأتي بعد ذلك. وحذر الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي أن مصر يمكن أن تصبح "نسخة سنية من إيران". لكن بالنسبة للمتظاهرين في ميدان التحرير، كان تدخل أوباما وموقفه ليس له أهمية. حاولت السيدة كلينتون تهدئة الأعصاب في المنطقة، مشددة على انتقال منظم يمكن أن يستغرق وقتا طويلا، لكنها سرعان ما وجدت نفسها في مرمى الأسهم في الداخل. كان الرئيس الأمريكي غاضب، وكذلك العديد من مساعديه الذين اعتبروا أن وزارة خارجية كلينتون ستحاول إدارة سياستها الخارجية الخاصة بها. السيدة كلينتون فورا أصدرت بيانا تنأى الإدارة من هذه التصريحات، ولكن ذلك لم ينقذها من مكالمة هاتفية مؤلمة مع أوباما، كما كتبت في مذكراتها. وعندما وصلت الاحتجاجات المصرية مرحلتها النهائية، أرسل آن ماري سلوتر، رئيس للتخطيط السياسات في وزارة الخارجية، إلى كلينتون عبر البريد الالكتروني لحثها على إعلان تبني موجة التغيير في الشرق الأوسط. وجاءت اللحظة التي لا مفر منها في 11 فبراير، عندما كان بالفعل قد سقط مئات القتلى في اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، أعلن السيد مبارك أنه سيتم تسليم السلطة للجيش. كيف كان رد فعل كلينتون على الانتفاضات العربية تونس: حقيقة أن ثورات الربيع العربي بدأت من تونس جاءت بمثابة مفاجأة لهيلاري كلينتون، ولكن الضغوط والمظالم التي دفعت الاحتجاجات لم تكن مفاجأة. في 13 يناير عام 2011 في الدوحة – قبل يوم من هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي – حذرت كلينتون أمام أحد وزراء الخارجية من المنطقة أن أسس منطقة الشرق الأوسط "تغرق في الرمال". ليبيا خلافا لباراك أوباما، الذي كان مترددا في قرار التدخل في ليبيا، كانت هيلاري كلينتون واحدة من كبار الدعاة للتدخل العسكري في ليبيا لاسيما مع اقتراب قوات معمر القذافي من بنغازي في مارس 2011. وبعد ستة أشهر، زارت طرابلس لدعم الحكومة الجديدة. ولكن الفوضى في ليبيا تطاردها حتى الآن. الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، مما أدى إلى مقتل أربعة أمريكيين، أثار سلسلة من التحقيقات في الكونغرس وتم استخدام تلك الحادثة منذ ذلك الحين باعتبارها وسيلة لانتقاد أسلوب إدارتها وحكمها على الأمور. سوريا مرة أخرى، كانت هيلاري كلينتون تؤيد بذل الولاياتالمتحدة المزيد من الجهد ضد بشار الأسد. في أغسطس 2011 حثت دون تردد على ضرورة أن الولاياتالمتحدة تسلح المعارضة من أجل إعطائها ميزة حاسمة لإسقاط الأسد. فايننشال تايمز