عزز وقوع الصومال على البحر الأحمر الاهتمام العالمي بهذا البلد الاستراتيجي، وقرَّبها من الانضمام إلى نادي الدول المنتجة للنفط، فقد أكدت «سوما» للنفط والغاز، شركة طاقة مقرها لندن، أنها تبحث عن ودائع النفط والغاز قبالة سواحل الصومال، وأنها انتهت من مسح سيؤكد إمكانية وجود مكامن للنفط والغاز قابلة للاسترداد. وأحدثت إثيوبيا مؤخرًا، البلد الجار للصومال، نوعًا من التغيير الجيوسياسي فيها، حيث سحبت أديس أبابا قواتها التي كانت تشارك في حفظ السلام والقتال ضد مسلحي حركة الشباب، من الصومال. في المقابل أعلنت حركة الشباب الصومالية، الأحد الماضي، أنها احتلت مدينة هالغان وسط الصومال، بعد انسحاب القوات الإثيوبية من قوة الاتحاد الإفريقي في الصومال «اميصوم». وقد انكفأت القوات الإثيوبية شمالًا إلى بيليدوين، كبرى مدن منطقة هيران، التي تبعد 300 كيلومتر شمال مقديشو و30 كيلو مترًا عن الحدود الإثيوبية، كحسبما ذكر مسؤولون بأجهزة الأمن الصومالية وبعض الشهود. والجدير بالذكر أن هذا ثالث موقع تنسحب منه القوات الإثيوبية خلال ثلاثة أسابيع، من دون تبرير رسمي من السلطات الإثيوبية أو من القوة الإفريقية، حيث انسحب الجنود الإثيوبيون حتى الآن من موقوكوري، ثم من قرية العلي المجاورة في بداية شهر أكتوبر الجاري. تبرير إثيوبيا احتجت الحكومة الإثيوبية على ما تصفه بنقص الدعم الدولي لتلك العمليات، عقب قرار أوروبي بتخفيض الدعم المالي للقوات الأجنبية المشاركة في حفظ السلام في الصومال، ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر مساهم في تمويل بعثة القوات الإفريقية في الصومال، وقالت بروكسل، إنها ستخفض تلك المساعدات بنحو 20%. فيما قال وزير المواصلات الإثيوبي جيتاشيو رضا: القوات الإثيوبية التي انسحبت لم تكن جزءًا من قوات «أميصوم»، وفي الوقت ذاته نفى الوزير الإثيوبي في تصريحاته أن يكون سحب القوات الإثيوبية له علاقة بالاضطرابات الأخيرة التي تشهدها إثيوبيا. تأثير الانسحاب الإثيوبي على المشهد الصومالي أدى انسحاب بعض القوات الإثيوبية من مناطق صومالية إلى ملء حركة الشباب ذلك الشغور، الأمر الذي دفع حاكم هير شبيلي الجديد، علي عبد الله عوسبلي، إلى إقالة يوسف أحمد دباغيد، محافظ اقليم هيران، وعيّن مكانه علي عينتي عثمان، في محاولة لكبح جماح التنظيمات الإرهابية، فعملية الإقالة تأتي في إطار التوجه نحو تحسين الوضع الأمني في مناطق ولاية هيرشبيلي، حيث أكد عزمه على التصدي للمخاطر التي تواجه الإقليم وعلى رأسها حركة الشباب. وشهد إقليم هيران خلال الأيام الماضية عمليات قتل وهجوم ضد قاعدة تابعة لقوة بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام بمدينة بلدوين تبنتها حركة الشباب، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، كما سيطرت حركة الشباب على منطقة استراتيجية في هذا الإقليم مطلع هذا الأسبوع بعد انسحاب القوات الإثيوبية منه. الخطوات الإثيوبية يصفها المحللون بالمريبة، خاصة في ظل سيطرة حركة الشباب على الأماكن التي تم إخلاؤها، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من تكريس الانقسام داخل الأراضي الصومالية، فحركة الشباب الصومالية التي تهدف إلى إسقاط الحكومة وتحويل الصومال إلى دولة إسلامية، أعلنت تحالفها في العام 2012 مع القاعدة المنافسة لداعش، وفي مطلع شهر أبريل الماضي أعلنت حركة غير معروفة سابقًا تدعى جبهة شرق إفريقيا تحالفها مع داعش، ودعت مقاتلي حركة الشباب للانشقاق عن هذه القاعدة والانضمام إلى داعش. وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: جبهة إفريقيا جماعة إسلامية مسلحة جديدة، تقارع حركة الشباب على النفوذ في الصومال ومنطقة شرق إفريقيا. وقال العديد من المحللين: إن تنظيم الدولة يحقق مكاسب غير محمودة في الصومال، مما يعزز احتمالات نشوب قتال بينه وبين الحركات الأخرى المتمردة هناك، على غرار ما يحدث الآن في سوريا. ويبدو أن إثيوبيا لا يقلقها الانقسامات التي قد تحدث في الصومال، خاصة أنها تعد الرابح الأكبر في حال حدوثه، الأمر الذي قد يجعل منها دولة داعمة لما يحدث في الصومال من بوادر التقسيم ومطالبة بعض الأقاليم الصومالية بالانفصال والاستقلال الذاتي، إلى تناسل التنظيمات الإرهابية كحركة الشباب المجاهدين وجبهة شرق إفريقيا مؤخرًا. وفيما يتعلق بتقسيم الصومال، فإثيوبيا تُعتبر من أكثر دول القرن الإفريقي المؤيدة لتقسيم الصومال؛ لعدم امتلاكها أي منفذ بحري بعد استقلال إريتريا 1993، وارتفاع عدد سكان إثيوبيا من جهة، وضعف الطاقة الاستيعابية لميناء جيبوتي لحركة صادرات وواردات دولتين من جهة أخرى، جعلت أديس أبابا تُفكر في اللجوء إلى موانئ الإقليم الصومالية شبه المستقلة مثل بونتلاند، فإثيوبيا ترغب في وجود أكثر من بديل للوصول إلى المياه. وبالتالي قد تتعامل إثيوبيا مع التنظيمات الإرهابية التي تتمدد بالصومال بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتوظفها بما يحقق مصالحها، خاصة أن أديس أبابا تعتبر في الوقت الراهن قوة فاعلة في القرن الإفريقي، الأمر الذي يمكنها من أن تقدم لمثل هذه التنظيمات ضمانات حقيقية تضمن بقاءها في الساحة الصومالية كقوة فاعلة ومُسيطرة بما يخدم المصالح الإثيوبية في النهاية.