كثير من المهن في مصر تبقى متوارية عن الأضواء ولا يعلم عنها أحد شيئا إلا أصحابها والمنتفعون منها، خاصة وإن كانت تصارع التطور التكنولوجي الذي طغى على معظم المهن القديمة التي توارثها أصحابها عن أجدادهم، ومن هذه المهن "حلاق الحمير". يمثل الحمار أهمية خاصة لدى الفلاحين لاعتمادهم عليه بشكل كبير في أعمالهم الحقلية ومصالحهم اليومية، وبسبب تلك الأهمية يستعين الفلاح بحلاق الحمير، من آن لآخر، كي يتخلص من الشعر الزائد عند حماره ليحافظ على نظافته من الحشرات المضرة به مثل "البق والبراغيث" حتى لا تؤذي الحمار أو صاحبه عند امتطائه. محمد أحمد العنافي، 35 عاما، من مركز جهينة، يعمل في هذه المهنة مع والده منذ أن كان طفلا صغيرا لا يتعدى عمره ال10 سنوات حتى أصبح الآن أشهر الحلاقين في مركزه والمراكز المجاورة، لإتقانه الصنعة واستمراريته في مزاولتها رغم هجرها من قبل غالبية من امتهنها. يقول العنافي، عن زبونه "الحمار": مفيش أذكى من الحيوان الأخرس، أحيانا يرى المقص ويستسلم، وأحيانا أخرى يهيج ويثور، وفي الحالتين يتم التغلب عليه ب"اللجام أو الملواش" وهو قطعة خشبية عبارة عن فرع شجرة صغير أملس بطول 25 سنتيمتر مربوط به حبل مصنوع من شعر الجمل يتم وضعه في فم الحمار تجعله يستسلم ولا يتحرك. يوضح العنافي، أن مدة الحلاقة تتفاوت حسب ردة فعل الحمار، فإذا كان هادئا فالقصة لا تتجاوز نصف الساعة مهما كانت غزارة الشعر، إلى جانب ذلك يبدع العنافي، في فنون زينة الحمير، حيث يضع بها لمسات ساحرة ويرسم على أجسادها نقوشا بعينها تحولت ل"موضة" اجتاحت عالم الحمير وبات الطلب عليها كبيرا، ومن أشهرها نقش "الأهرام الثلاثة" ونقش "السمكة" والتي غالبا ما ترسم على الجزء الخلفي من الظهر أو الفخذين، أو وفقا لطلب الزبون. فصل الصيف هو موسم الرواج الحقيقي لحلاقة شعر الحمير، كما يقول العنافي، ويحرص الفلاحون على إنعاش حميرهم بقصة صيفية تخفف عنها درجات الحرارة الشديدة، بينما يعتبر فصل الشتاء بالنسبة للعنافي، وقتا للركود بسبب البرد الذي يجعل الفلاحين عازفين عن تقصير شعر حميرهم لحمايتهم من نزلات البرد التي تصيبهم بعد القص. إلى جانب الفلاحين، يستعين تجار الحمير طول الوقت بالعنافي، كي يضع لمساته على أجساد حميرهم وتحسين مظهرها في أعين الزبائن الباحثين عن حمار ذي مظهر حسن. أسعار القص عند العنافي، ليست واحدة إذ تختلف حسب حالة الزبون المادية وكرم الضيافة المقدم له، وتتراوح بين 20 و30 جنيها، والجمل ب50 جنيها، والخروف من 5 إلى 10 جنيهات.