مع بداية هطول الأمطار فى محافظة الإسكندرية أمس بدأ الرعب يدب فى نفوس السكندريين من غرق المدينة كما حدث فى العامين الماضيين، وتسبب في توقف حركة المرور نهائيًّا ودخول المياه للمنازل والمحال التجارية وغياب التلاميذ عن دراستهم. ورغم تصريحات اللواء رضا فرحات محافظ الإسكندرية منذ أيام عن استعداد المحافظة لاستقبال موسم الشتاء، إلا أن الأمطار التى سقطت أمس كشفت عن تكرار مأساة السنوات السابقة، بعد أن غرقت بعض المناطق منها سيدى جابر أمام فندق أزور وأمام ستاد الإسكندرية الرياضي وميدان فيكتور عمنويل بسموحة. وقال النائب الوفدي حسني حافظ عن دائرة سيدي جابر إنه توجه لبعض الأماكن التي تجمعت بها المياه بشكل كبير، وأيقن بالفعل فشل منظومة الصرف الصحي بالإسكندرية في أول "بروفة" لفصل الشتاء، مضيفًا أنه بالرغم من اتصاله الشخصي بمسؤولي الصرف الصحي لإنقاذ بعض المناطق، إلا أنهم تقاعسوا بحجج واهية. وأضاف أنه تلقى خطابًا من محافظ الإسكندرية بإعطاء توجيهات برفع كفاءة شبكات الصرف الصحي وتذليل العقبات وإنهاء الأعمال أمام أماكن الحفر التي تتم بمناطق المطار والطريق السريع وعزبة عبد المنعم رياض؛ وذلك استعدادًا لموسم الشتاء، وأنه تم إخطار مدير إدارة المرور ورئيس حي شرق ورئيس مجلس إدارة شركة الصرف الصحي ومدير عام الإدارة العامة للمتابعة الميدانية بذلك. وأكد أبو العباس فرحات تركي عضو مجلس النواب عن دائرة المنتزه أن مشكلة الصرف الصحي هي القنبلة الأزلية التي تأتي كل عام لتؤرق الإسكندرية، والتي لم يعد المواطن يتحملها بعد غرق السنة الماضية، مضيفًا "وعدونا بألا تتكرر المأساة، وقرر الرئيس منح الإسكندرية والبحيرة مليار جنيه لحل مشاكل الصرف وتعويضات الأرض الزراعية، وتمت تعويضات الأرض الزراعية فقط. أما الصرف الصحي فلم يتم دفع مستحقاته، وبالتالى أصبحت الإسكندرية مهددة بنفس المشكلة"، معقبًا "لذلك سأتقدم بطلبات إحاطة لرئيس الحكومة؛ من أجل الحصول على مستحقات الإسكندرية التي ستنقذها من الكارثة، فمع أول سقوط للمطر غرقت بعض المناطق، وهو ما سيجعلنا نصرُّ على تقديم طلب الإحاطة وإرسال خطاب للرئاسة". وبالسؤال عن المليار جنيه التى خصصت الرئاسة نسبة كبيرة منها لتطوير شبكة الصرف الصحي بالإسكندرية، أكد اللواء محمود نافع رئيس الصرف الصحي بالإسكندرية، أن الهيئة لم تحصل على أي مبالغ مما خصصه الرئيس، من صندوق تحيا مصر حتى الآن، مضيفًا "وقدمنا طلبًا للقوات المسلحة في شهر مارس الماضي، لجلب بعض معدات الهيئة من الخارج بمقدار 524 مليون جنيه و9 ملايين دولار، وقامت القوات المسلحة بالتواصل مع صندوق تحيا مصر، ولكن لم نحصل على أي أموال، أما ما تم صرفه من المليار جنيه فهو تعويض الفلاحين المضاريين بغرق أراضيهم من الأمطار العام الماضي، وأيضًا جزء بسيط ذهب للري". وكشف أن ال 75 مليون جنيه التي خصصها رئيس الوزراء للجهاز التنفيذي للمحافظة، وتم صرف 40 مليونًا للصرف، وتبقت 35 مليونًا وجهت للقوات المسلحة؛ حتى يُستكمل المبلغ المطلوب لشراء ما نحتاج. وأكد مجدى أبو ريان رئيس الجمعية العلمية لتكنولوجيا المياه ورئيس مركزأبحاث المياه ل "البديل" أن ما حدث مهزلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مشيرًا إلى أن بدايتها في التسعينيات، عندما قامت شركة المقاولون العرب بردم 34 نفق مياه مخصصة لصرف مياه الأمطار للبحر أثناء رصف عدد كبير من الشوارع داخل المدينة، بجانب فتح أنفاق تنخفض عن مستوى منسوب سطح البحر؛ مما يجعل التصريف شبه مستحيل، وبالتالي كانت النتيجة كما شاهدناها وما حملته من مشكلات الصرف وتفاقمها بالصورة التي نشاهدها منذ عدة أعوام. وأضاف أن المشكلة لا تتلخص حاليًّا في التخلص من مياه الأمطار في البحر؛ فمصر تمر بأزمة مائية، ويجب على الدولة عمل محطات لتجميع مياه الأمطار والاستفادة بها بعد معالجتها واستخدامها في الزراعة أو الشرب. وشدد أبو ريان على أن المسؤولين يجب عليهم إعادة دراسة التخلص من الصرف الصحي بالبحر واستخدام الصرف الصحي الذي يمكن أن يستخرج منه مياه صالحة للزراعة وغاز حيوي، كما يحدث بفرنسا وكندا فتنتج، وهما ليستا دولتين فقيرتين، وأيضًا استخراج السماد العضوي بعد معالجة الصرف الصحي، موضحًا أن 500 محطة صرف هي ثروة قومية ونحن بلد فقير يحتاج لكل مورد مائي، ولا بد أن يتم النظر لهذه المعالجة، كما فعلت كندا وأصبحت من أغني دول العالم. وتابع أن مصر تقف عاجزة بدلًا من أن تتقدم، فمع بداية الألفية الأولي كانت مصر وساحلها الشمالي مزرعة الإمبراطورية الرومانية معتمدة على مياه الأمطار، ثم قام الرومان بحفر الآبار لتجميع الأمطار، ومع بداية الألفية الثالثة نتعامل بهذه الطريقة الغريبة، "وهذا ما يسمى بخلل في رؤية اتخاذالقرار وبطء في التنفيذ".