تتزايد الفجوة بين روسياوأمريكا يومًا بعد يوم، من عدم الالتزام بالهدنة الإنسانية وقصف المقاتلات الأمريكية لمواقع الجيش السوري في دير الزور، وإعلان واشنطن وقف المفاوضات مع روسيا، والاتجاه الفرنسي نحو مجلس الأمن، إلى تعزيز موسكو لقواتها العسكرية في الأراضي السورية وعلى حدودها، الأمر الذي ينبئ بتصعيد سياسي إن لم يكن عسكريًّا خلال الأيام القادمة، قد يعيد رسم خارطة العمليات الميدانية داخل الأراضي السورية، وهو ما تخشاه الحليفة الصهيونية لأمريكا. تعزيز القوة الروسية والقلق الأمريكي قبل أيام أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إرسال منظومات الدفاع الجوي من طراز "إس – 300" المضادة للصواريخ إلى قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري، وأشارت الوزارة حينها إلى أن المنظومة وصلت إلى سوريا لحماية القاعدة العسكرية الروسية البحرية في طرطوس، وكذلك السفن الحربية الموجودة بالمنطقة الساحلية السورية وحمايتها من الضربات الجوية. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع، إيغور كوناشينكوف: أذكركم أن نظام إس 300 نظام دفاعي بحت، لا يشكل خطرًا على أحد، ولا نفهم لماذا يثير نشر هذا النظام قلق شركائنا في الغرب، وأضاف أن النظام شبيه بنظام آخر نشرته روسيا في البحر. على الرغم من أن المنظومة التي نشرتها موسكو في سوريا دفاعية بحتة، ولا تمثل أي تهديد لأحد، إلا أن الإعلان الروسي عن نشرها أثار عديدًا من المخاوف لدى الإدارة الأمريكية لم تستطع إخفاءها، حيث أعلنت الولاياتالمتحدة عن تأثرها ودهشتها واستغرابها من دوافع روسيا، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، بيتر كوك، إن البنتاجون لا يفهم دوافع روسيا لإرسال صواريخ "إس-300" إلى سوريا، وإن هذه المنظومات يمكنها التأثير على العمليات العسكرية للتحالف. وفي الوقت نفسه أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، أن البيت الأبيض يعتبر أن نشر صواريخ "إس-300" في سوريا يتعارض مع هدف مكافحة التطرف في سوريا الذي أعلنته روسيا، وأنه لا يعلم بامتلاك داعش أو القاعدة طائرات هناك، مشيرًا بسخرية: قد تكون لدى روسيا معلومات استخباراتية أخرى، لكنني أشك في ذلك، ولوح البيت الأبيض حينها بإمكانية فرض المزيد من العقوبات على موسكو، قائلًا: لا نستبعد احتمال فرض عقوبات على روسياوسوريا، لكن بالتنسيق مع الشركاء، فالرئيس أوباما قد يستخدم عددًا من الإمكانيات لعزل النظام وربما الروس؛ بسبب دعمهم هذا النظام، والعقوبات من بين هذه الآليات. التهديد الأمريكي لم يجعل موسكو تفكر مرتين، بل اختارت الاستمرار في طريق تعزيز قواتها، حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم أسطول البحر الأسود الروسي، نيقولاي فوسكريسينسكي، الأربعاء، أن سفينتي "سيربوخوف" و"زيليوني دول" الروسيتين الصاروخيتين باشرتا عبور مضيقي البوسفور والدردنيل وهما في طريقهما إلى سوريا، حيث ستظلان في قوام مجموعة السفن الحربية الروسية بالبحر المتوسط إلى أن تحل محلهما سفن حربية أخرى حسب خطة قيادة الأسطول، وتزود هذه السفن بصواريخ "كاليبر" المجنحة ومدافع "آ – 190" عيار 100 ملم، ومنظومات الدفاع الجوي "غوبكا"، المزودة بصواريخ "إيغلا" المضادة للجو، ومدافع "دويت" المضادة للطائرات. وبعد ساعات من إعلان "فوسكريسينسكي"، توجهت سفينة صاروخية صغيرة "ميراج" من أسطول البحر الأسود الروسي من سيفاستوبول إلى شواطئ سوريا، لتكون الثالثة خلال الفترة الأخيرة. قلق صهيوني من تبعات تعزيز القوة الروسية اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن وجود الصورايخالروسية في سوريا يقوض الردع الإسرائيلي مقابل قوة الجيش السوري وحزب الله، ويعزز قوة إيران بشكل غير مباشر، وقالت الصحيفة الصهيونية إن إقدام الروس على نصب الصورايخ المضادة للطائرات في سوريا يمثل خبرًا سيئًا لإسرائيل، لأن الطرازين المنصوبين من هذه المنظومة قادران على إسقاط طائرات في الأجواء الإسرائيلية أو فوق البحر وعندما تهاجم الطائرات الإسرائيلية أهدافًا داخل سوريا أو في لبنان، وأضافت الصحيفة: الروس قد يستخدمون هذه الصواريخ ضد نشاطاتنا الجوية في المنطقة، كل ذلك يحصل هنا في الوقت الذي لا يوجد فيه ما يؤكد أن الأمريكيين سيتحركون في سوريا. من جانبه ذكر موقع "واللا" الصهيوني أن قرار موسكو بنشر صواريخ إس 300 الحديثة في قواعد بحرية في سوريا سيغيّر قواعد اللعبة في سوريا، لأنه سيقيد حرية سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية، وأضاف الموقع الصهيوني: هناك خشية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن يؤدي ذلك إلى زيادة الثقة لدى الرئيس السوري بشار الأسد، وإلى زيادة الأعمال العدائية ضد إسرائيل، فيما رأت صحيفة إسرائيل هيوم أن معركة حلب قد ترسم صورة العالم الجديد، وأضافت الصحيفة أنه من المُحزن أن الأمريكيين تركوا الميدان للروس. من جانب آخر فإن هناك مخاوف حقيقية من إمكانية نقل المواجهات القائمة من مواجهات بين القوات الروسية والجماعات المسلحة إلى مواجهات بين روسياوالولاياتالمتحدة في سوريا، وذلك من خلال خطوات استفزازية قد تُقدم عليها واشنطن، أولها توجيه ضربات أمريكية مباشرة ضد الجيش السوري مثلما حدث في دير الزور، والتي أكدت أمريكا أنه "خطأ"، حيث إن تكرار هذا الخطأ الأمريكي المقصود قد يتسبب في نشوب مواجهة مع روسيا هناك. في ذات الإطار رفض المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، التعليق على ما إذا كانت بلاده تنوي شن ضربة جوية على القوات السورية، وأكد تونر أن بلاده تبحث مجموعة من الخيارات بينها اقتراحات دبلوماسية وعسكرية واستخبارية واقتصادية. خيارات واشنطن أفادت العديد من المصادر الدبلوماسية بأن مديري الوكالات المتخصصة في الأمن والسياسة الخارجية الأمريكية يبحثون إعداد قائمة للرئيس باراك أوباما بكل الخيارات بخصوص الأزمة السورية، وبعيدًا عن خيارات الوكالات المتخصصة في الأمن والسياسة الأمريكية، فإن الخيارات المرجحة لأوباما واضحة من دون بحث، في مقدمتها خيار تسليح الجماعات المسلحة أو ما تسميه واشنطن "المعارضة المعتدلة" بما يسمح لها بمواجهة القصف الجوي الروسي السوري، وتعديل موازين القوى العسكرية على أرض الميدان بما يروق لأمريكا، فقد لوحت واشنطن وحلفاؤها من قبل بهذا الخيار، حيث أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، منذ أيام قليلة، عن تأييد بلاده لتسليح المعارضة السورية بصواريخ أرض-جو، لتمكينها من ردع وتحييد طائرات نظام بشار الأسد المقاتلة التي تستخدم القنابل الكيميائية في هجماتها التدميرية، وفق تعبيره، وأوضح الجبير أن تسليح المعارضة السورية بالصواريخ المضادة للطائرات من شأنه تعديل موازين القوى العسكرية في سوريا. قد يكون الخيار الثاني هو التركيز الأمريكي على الحرب الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي، والتي بدأها حلفاء واشنطن هناك وعلى رأسهم مجلس التعاون الخليجي وفرنسا، في محاولة للضغط على روسيا وإقناعها بوقف الطلعات الجوية على مدينة حلب والعودة إلى التهدئة مع واشنطن التي باتت ترفضها موسكو إلا بشروطها.