تشهد العلاقات الروسية الأمريكية حالة من السجال السياسي المستعر حول ملف الأزمة السورية، زادت حدته تحت وطأة ضربات الجيش السوري وحلفائه لأكثر المدن استراتيجية في النزاع، ألا وهي حلب. توقف الاتصالات بالأمس، أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها علقت المحادثات مع روسيا حول الأزمة السورية، واتهمت روسيا ب"عدم الوفاء بتعهداتها" فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار الذي انهار في شهر سبتمبر الماضي. وبذلك يضع الإعلان الأمريكي حدًا لحالة الاستقطاب في التصريحات الروسية – الأمريكية والاتهامات المتبادلة بين موسكووواشنطن في الآونة الأخيرة بالإعلان عن وقف الاتصالات بشأن الأزمة السورية بين الجانبين، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي، إن "الولاياتالمتحدة ستعلق مشاركتها في القنوات الثنائية التي فتحت مع روسيا للحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية". وحملت واشنطن، موسكو والحكومة السورية مسؤولية زيادة الهجمات على المدنيين، الأمر الذي ادعت واشنطن أنه كان وراء انهيار الاتفاق، وقال كيربي "لسوء الحظ، لم تلتزم روسيا بتعهداتها، ولم ترغب أو لم تستطع ضمان التزام النظام السوري بالترتيبات التي وافقت عليها موسكو"، وتابع "بدلا من ذلك، اختارت روسيا والنظام السوري الاستمرار في المسار العسكري". وأضاف كيربي، أن القوات الروسية والقوات الحكومية السورية "تستهدفان البنية التحتية المهمة، مثل المستشفيات، وتمنعان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين ذوي الحاجة"، مشيرا إلى الهجوم الذي تعرضت له قافلة مساعدات إنسانية في 19 سبتمبر الماضي. وكالة الأنباء الفرنسية، نقلت تصريحات عن المتحدث باسم البيت الأبيض جورج ايرنست قال فيها إن "صبره على روسيا قد نفد"، وفي المقابل، لم تلتزم روسيا الصمت، وقالت موسكو إن طائراتها وتلك التابعة للقوات الحكومة غير مسؤولة عن الهجوم على القافلة، مرجحة أن القصف جاء من الأرض، ولم يكن قصفا جويا. وردا على تعليق الولاياتالمتحدة محادثاتها مع روسيا، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: "نأسف للقرار الأمريكي"، وأضافت أن "الولاياتالمتحدة ببساطة لم تلتزم بالشروط الأساسية للاتفاق، الخاصة بتحسين الأوضاع الإنسانية في حلب"، وأشارت إلى أن الولاياتالمتحدة فشلت في الفصل بين الجماعات المتشددة والمعارضة المعتدلة في سوريا. ويرى مراقبون أنه، وبالرغم من أن الولاياتالمتحدة قامت بسحب مسؤوليها من جنيف وألغت بذلك اجتماعًا كان من المقرر أن يضم مسؤولين أمريكيين وروسا في محاولة للتنسيق من أجل شن ضربات جوية مشتركة على الجماعات المتشددة، فإنها، الولاياتالمتحدة، أبقت الباب مواربًا مع موسكو حينما أعلنت عن نيتها التواصل باستخدام قنوات الاتصال العسكرية، رغم قرارها بتعليق الاتفاق معها، التواصل العسكري مع روسيا جاء تحت ذريعة تجنب وقوع حوادث في أجواء سوريا خلال "عملياتهما لمكافحة الإرهاب في سوريا". في المقابل، أعرب مندوب روسيا الدائم لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين، عن أمله في عدم تكرار "الحرب الباردة"، ولم يستبعد عودة الطرفين للتعاون بشأن سوريا، ودعا تشوركين، إلى عدم تصوير الخلافات بين موسكووواشنطن على الساحة الدولية كأنها "كارثية". التصعيد الروسي لم تمض ساعات على إيقاف الولاياتالمتحدة تنسيقها مع موسكو حول ملف الأزمة السورية، حتى أعلنت موسكو تعليق اتفاقية البلوتونيوم مع واشنطن، وأصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، أمرا بتعليق الاتفاق معها حول معالجة البلوتونيوم بسبب خطوات واشنطن غير الودية حيال موسكو. وبررت موسكو هذه الخطوة بسبب إقدام الولاياتالمتحدة على عدد من الخطوات غير الودية تجاه روسيا خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات اقتصادية وسياسية على روسيا، وكثفت واشنطن من تواجدها العسكري على مقربة من حدود روسيا، بالإضافة لعدم قدرة الولاياتالمتحدة وعدم رغبتها في تنفيذ التزاماتها الناشئة من الاتفاقية بشكل كامل. ويبدو أن الرد الروسي لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد أن توعدت الخارجية الروسية، برد مزلزل فيما لو تعرض الجيش السوري لاعتداء أمريكي مباشر، رجحت مصادر في اللجنة الخارجية لمجلس الدوما الروسي، أن تتم المصادقة على اتفاق حول نشر مجموعة جوية روسية في سوريا لأجل غير مسمى، يوم الجمعة المقبل، الأمر الذي من شأنه أن يغضب الولاياتالمتحدة التي تبحث عن أي حلول تحاول من خلالها تقليص الدور الروسي العسكري في سوريا، لإنعاش الفصائل الإرهابية التي تدعمها واشنطن لتحقيق مصالحها في سوريا، فوزير خارجية أمريكا جون كيري، أقر بصعوبة الفصل بين الفصائل السورية المعتدلة والإرهابية، وتشير تقارير إلى أن الأسلحة الأمريكية التي كانت ترسلها واشنطن لما يسمى بالمعارضة "المعتدلة" وقعت في يد داعش والنصرة الإرهابيتين. تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الروسية الأمريكية لمعالجة البلوتونيوم، وقعت في 29 أغسطس عام 2000، وقضت بتصفية فائض البلوتونيوم العسكري في روسياوالولاياتالمتحدة، فروسيا على سبيل المثال تقوم بتدوير البلوتونيوم العسكري إلى الوقود للمحطات الكهرذرية، بينما لجأت واشنطن إلى أسلوب غير متفق عليه لإتلاف مخزونها، وأعلنت من جانب واحد تغيير تكنولوجيا معالجة البلوتونيوم بشكل يسمح لها بالحفاظ على إمكانية إعادة معالجة المادة وتحويل البلوتونيوم إلى البلوتونيوم العسكري من جديد.