دائمًا ما تترك السياسة بصمتها على جميع المجالات، هذا ما حدث بالفعل في نسخة مهرجان "كان" التي أقيمت عام 1956، وشهدت مشاركة الفيلم المصري "شباب امرأة" للنجمة "تحية كاريوكا" والفنان شكري سرحان ولرائد الواقعية المخرج صلاح أبو سيف، حيث شهد المهرجان صدامًا فنيًّا بين مؤيدي الصهيونية و"كاريوكا". كما حرم الفيلم وأبطاله من اقتناص أي جائزة، نظرًا للموقف السياسي المتأزم في ذلك الوقت على كافة الأصعدة مع العرب عمومًا ومصر تحديدًا، حيث كانت مصر على أعتاب العدوان الثلاثي عليها من "إنجلتراوفرنسا وإسرائيل"، إضافة إلى الطابع العنصري الذي طغى على المهرجان، الأمر الذي أجبر كاريوكا على الدخول في مشاجرة مع النجمة العالمية سوزان هيوارد ذات الميول الصهيونية. بدأت أحداث المهرجان عندما رأى الوفد المصري تجاهلًا كبيرًا من منظمي المهرجان لهم، حيث شاركت "كاريوكا" بملابس رسمية مثلها مثل الوفود المشاركة، وعندما وجدت عدم اهتمام من وسائل الإعلام لجأت إلى حجرتها مرة أخرى، وارتدت زي "ملاية لف وشبشب وخلخال"، ذلك الزي الذي ارتدتها أثناء أدائها دورها في فيلمها المشارك بالمهرجان. عندما ظهرت "كاريوكا" بالزي المصري الأصيل، لفتت انتباه قطاع كبير من وسائل الإعلام المشاركة في تغطية المهرجات؛ ليتسأل الجميع عن الشخصية ذات الزي المختلف عن الجميع، ويكتشفوا أنها من المشاركات في المهرجان. مفاجأة "كاريوكا" في المهرجان لم تكتفِ بهذا الحد، وإنما كان هناك الكثير منها، فمنذ أن شارك الوفد المصري في فاعليات المهرجان، تعرض لمعاملة سيئة من المنظمين، هو والوفد الألماني؛ بسبب معاداة فرنسا لألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، فما كان من الألمان إلا أن انسحبوا من المهرجان رفضًا لأسلوب التعامل. أما الوفد المصري فمثله مثل بقية الوفود دعي إلى حفلة غداء على شرف المهرجان، جلست على مقربة من طاولة وفد مصر طاولة ضمت الممثلة ذات الميول الصهيونية سوزان هيورد، بجانب الممثل الأمريكي داني كاي، "هيورد" أثنت على إسرائيل وما تفعله مع العرب والفلسطنيين، وتطاولت على العرب بشكل كبير دون أن تدرك أن "كاريوكا" تعي جيدًا ما تقوله. استفز "كاريوكا" ما حدث، وغادرت طاولتها، وأسمعت "هيورد" وصلة من الشتائم ضد أمريكا وإسرائيل، ويقال إنها بصقت عليها، فسحبها مدير أعمالها من المكان؛ خوفًا من الاصطدام بالوحش المصري، النجم الأمريكي داني كاي حاول هو الآخر رد الإهانة، فما كان من كاريوكا إلا أن صفعته بالقلم على وجهه، وضربته بالحذاء، بل وبصقت عليه هو الآخر. وكما هو متوقع، فبعد الحادثتين لم يفز الفيلم وأبطاله بأية جوائز، وذلك على الرغم من ترشيح قطاع كبير من النقاد لاقتناص الفيلم إحدى جوائز المهرجان، حيث كان لرئيس لجنة التحكيم في المهرجان اليهودي الفرنسي موريس لحمان رأي آخر؛ ليسدل الستار على واحدة من الوقائع التي لن ينساها التاريخ، والتي تعتبر خير دليل على أن السياسة دائمًا ما تترك بصمتها في جميع المجالات، وتتسبب في إفساد جميع الفنون.