يبدو أن الحكومة لا تدرك الفرق بين السلعة الأساسية أو الاستراتيجية، التي لا بديل عنها، وبين الأخرى الترفيهية، التي يمكن الاستغناء عنها, حتى ظهرت أزمات كبرى في سلع مهمة، مثل الأدوية, واختفاء كروت شحن رصيد التليفون المحمول, وهي أشياء يستخدمها كل المصريين، ولا يوجد لها بديل ولا يمكن الاستغناء عنها, في المقابل، لا نسمع عن اختفاء أو مجرد نقص في السلع الترفيهية، التي تكبد الدولة ملايين الدولارات لاستيرادها ولا يستفيد منها سوى شرائح قليلة من الشعب . في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وتحديدا في نقد كارل ماركس الاقتصادي السياسي، تم تعريف السلعة الأساسية على أنها أي سلعة أو خدمة تنتجها اليد العاملة البشرية، وتعرض كمنتج للبيع في السوق عموماً, فلا يمكن أن يتم تغافل السجائر أو كروت الشحن وتصنيفها من الرفاهيات. الأمر المثير هو عدم نقص هذه الأشياء فحسب، لكن تعامل الحكومة مع هذا الاختفاء أحيانا بالإنكار, أو أنها ليست طرفا في الأزمة, وأخيرا تعلن أنها ستواجه هذا النقص, وستعاقب المتسببين فيه. في كل الأزمات، وعلى رأسها نقص الأدوية، كانت الحكومة السبب الرئيسي بسبب أزمة الدولار وعدم استطاعتها توفيره, فلجأ المستوردون والمصنعون إلى السوق السوداء لتوفير الدواء, واكتشافهم بعد ذلك أن التكلفة أصبحت أعلى من السعر الذي يعرض للجمهور, حتى وصل الأمر في النهاية لارتفاع سعر 7 آلاف و300 صنف دواء، إن وجدوا في الأساس . وفي أزمة السجائر، ظلت الحكومة تماطل كثيرا وتؤكد أن أسعارها لن ترتفع, حتى استيقظ المصريون قبل عدة أيام على اختفاء بعض الأنواع، على رأسها السجائر المحلية التي يستخدمها قطاع واسع، وأصبح الحصول على علبة سجائر يحتاج إلى واسطة كحال كل الخدمات في مصرنا, ولم تعد السجائر إلى السوق إلا بعد ارتفاع أسعارها أكثر مما أعلنته الحكومة بجنيه أو جنيهين على الأقل. وفي أزمة كروت الشحن، يظهر تخبط الحكومة جليا؛ فبعد أن أعلنت عدم ارتفاع أسعار الخدمة على المستهلكين على لسان شركات الاتصالات وجهاز حماية المستهلك, وإطلاق رقم سريع للإبلاغ عمن يرفع أسعارها, حيث حاول بعض المواطنين وكنت واحدا منهم، الاتصال عليها ولم يتم الرد, نجد بيانات رسمية تتحدث عن سعر جديد لكروت الشحن وزيادة 6% رسميا، بخلاف الواقع، الذي وصل فيه الزيادة إلى 16 %، إن وجدت أيضا. هل يدرك المسؤولون حديث الشارع عنهم وكم الاحتقان الذي تراكم في نفوس الشعب من تخبطهم وعدم صراحتهم من اللحظة الأولى؟ اليوم، عن طريق الصدفة وأثناء ذهابي لعملي، سمعت 5 أشخاص في حي شعبي جالسين على مقهى يتحدثون عن احتمالية قيام ثورة, اتفقوا جميعا على حدوثها، لكنهم اختلفوا على الطريقة, وكان خوفهم الأكبر من سقوط ضحايا آخرين حتى نطق أحدهم «يارب ياكلوا بعض منهم فيهم».