«الغلة» تذهب للحي والمرور وصاحب المول.. و«السايس» يتقاضى 100 جنيه يوميًا أصبح أرصفة الشوارع أشبه ب«بزنس كبير» له ملاكه المتحكمون فيه والمستفيدون منه عبر إيجاراته اليومية الباهظة ل«السياس»، حتى تكونت ما يسمى «مافيا ملاك الرصيف». يتحكم أصحاب المولات التجارية الكبرى في ملكية الرصيف، أو المسؤولون بالحي أو أفراد الأمن داخل الإدارة العامة للمرور، والسايس الذي يؤجر الرصيف من الأطراف الثلاثة السابقين مقابل مبالغ مالية باهظة تتراوح بين 200 إلى 500 جنيه يوميًا، حسب طبيعة المكان والموقع المجاور. وفي رصيف مدينة نصر، ترتفع «الفيزيتا» كثيرا عن أي مكان آخر لطبيعة المكان، فتبدأ من 350 جنيها يدفعهم السايس كل يوم مقابل إيجار الرصيف من صاحب المول المجاور حتى يبدأ ممارسة عمله اليومي المعتاد في جمع حصيلته «الغلة» من المواطنين وأصحاب السيارات الملاكي التي «تركن» ساعة أو ساعتين في سبيل التسوق والشراء من المول أو تناول القهوة عبر الكافيتريا القريبة من المكان ليجمع في نهاية اليوم نحو مائة جنيه من أصحاب السيارات. «تعالى.. ارجع يابيه.. تركني ياهانم».. عبارات يومية يرددها رجل أربعيني يقف على ناصة الطرق ينادي على سائقي السيارات العابرين بالرجوع إلى الخلف وركن سيارتهم على أحد جانبي شارع مكرم عبيد بمدينة نصر مقابل 5 أو 10 جنيهات في الركنة الواحدة حتى اكتظ الرصيف بأعداد السيارات الهائلة التي حولت الرصيف إلى ما يشبه ال«باركينج» والجراج الكبير الذي ساهم في تزايد الزحام بالشارع المصري بصورة كبيرة. صاحب مول: إيجار الرصيف 6 آلاف جنيه يوميًا محمد الفيومي، أحد أهالي منطقة الحي العاشر بزهراء مدينة نصر ويعمل «سايس» سيارات منذ أكثر من 12عاما، متنقلا بين منطقتي "جنينة مول" و"سيتي سنتر"، ما ترك بداخله انتماء للرصيف الذي يعمل عليه طوال الليل والنهار حتى صار جزءا من حياته الخاصة التي لا يتصور يوما ما أن يبعده أحد عن بيته الذي صار مورد رزقه الوحيد حتى أطلق علي نفسه أنه من «ملاك الرصيف». يقول الفيومي أنه يؤجر الرصيف من أصحاب المول منذ بداية إنشائه عام 2000 ب500 جنيه يومياً خلال السنوات الأربع الأولي ثم 350 جنيها في الثلاث سنوات التالية، وصولا إلي مائتي جنيه يوميا حتي يوم الثالث من مارس الماضي، حينما قال لهم رئيس مجلس إدارة سيتي سنتر "ده آخر يوم لكم في المكان ومش عايز إيجاركم ولا عايزكم تقفوا هنا، وأنا حر أعمل اللي أعمله وأنا مأجر الرصيف ده ب6 آلاف جنيه في اليوم علشان الناس تركن هنا". وخلال حديثنا مع الفيومي، تدخل أحد ملاك عقارات الهيئة المجاورة، أحد أبناء القوات المسلحة، مهددا إياهم بالحديث مع الإعلام، قائلاً "محدش يتكلم في أي حاجة" وتركنا وانصرف. ملاك الرصيف في مدينة نصر نواب برلمان سابقين ومن يومها يطارد فيهم، ويسلط عليهم رجال أمنه وحرس المول الخاص حتي يفيض بهم الكيل ويتركوا مكان رزقهم الوحيد، حتى هددهم في إحدى المرات، بإنه قادر على بناء جدار عازل علي الرصيف كجراج عام لركن السيارات، بدلاً من الأموال الطائلة التي يحصلون عليها من السياس دون مقابل، كما يقول أحد أفراد أمن السنتر، رفض ذكر اسمه. وأكد السايس أن ملاك الرصيف الحقيقيين في شارع مكرم عبيد بمدينة نصر هم أصحاب المول التجاري "سيتي سنتر" ممدوح صلاح سليم وشقيقيه مسعد ومحسن، أعضاء مجلس الشعب السابقين عن الحزب الوطني بمحافظة الفيوم، ومديرعام المول التجاري. وفي منطقة جنينة مول، فإن الأمر أكثر تنظيما وإدارة من سيتي سنتر، فملاك الرصيف الأصليين هناك هم "محمد محمد جنينة" وحي شرق القاهرة الذي يؤجر الرصيف لصاحب المول الذي يؤجره بدوره ل"السياس" لتدور الدائرة من جديد لصالح "السبوبة" التي تتوزع ما بين الحي والمول وأفراد المرور وتأتي في النهاية علي مورد ومصدر رزق "السايس" الوحيد الذي يحصل له في اليوم أقل من 50 جنيها. أصحاب المولات التجارية يجمعون 15 ألف جنيه شهريا وعلي بعد خطوات من السراج مول، أوضح مساعد بركات عبد العزيز، سايس خمسيني يرتدي ملابس مهلهلة، أن الرصيف ملك للشعب والحكومة وليس ملكا لصاحب المول الذي يتحكم في الجميع ويمص دماء كل من يعمل تحت يديه ويستولى علي نحو 15 ألف جنيه شهريا وما يقرب من مائة وخمسين ألفا سنويا منهم، حتى أصبح الرصيف يشكو من زحمة الصراعات المادية بين أصحاب المولات والعقارات من ناحية وبين الحي وأفراد الداخلية من ناحية أخري. محاضر تسول وسايس بدون رخصة «مش عارفين نشتغل، احنا ملاك الرصيف ولن نقبل أن يطردنا أحد من بيتنا».. هكذا قال أمير عبدالسلام، أحد أفراد أمن السراج مول، الذي أكد أن الأمر اختلف كثيرا بعد ثورة 25 يناير، خاصة بعد أن كانت الداخلية تمارس سياسة فرض "الإتاوات" علي السياس وتأخذ ما فيه النصيب وإلا حرروا لهم محاضر تسول و"سايس بدون رخصة". ومن أكثر المشاكل التي كانت تحدث علي الرصيف أن يكون ال"جيست" ضابط شرطة حيث يمارس سلطاته الأمنية علي القائمين علي أمن السيارات وتأمين الرصيف تأمينا كاملاً، فضلاً عن تحكم ملاك المولات الكبري في السياس، وما يتحملونه من إيجارات يومية باهظة تفوق قدرات الكثيرين من هؤلاء رغم اتجاه كثير من الرواد والجيست نحو "سيتي ستارز" باعتباره المكان الأكثر جذبا وإغراء لهم. إيجار الرصيف 200 جنيه كل يوم ومن أمام فندق انتركونتنتال ومول سيتي ستارز بمدينة نصر، التقينا برجل أربعيني يُدعى عم طارق يعمل سايس سيارات للفندق منذ أكثر من عشرين عاماً ويدفع مائتي جنيه إيجار يوميا لمالك المول بشارع الإمداد والتموين المواجه لسيتي ستارز، فضلاً عن الأموال الأخرى التي تدفع لأصحاب المول من دخل إيجارات ال"باركينج" في الجراج الخاص بمجموعة شركات "سبنسز"، التي تصل في بعض الشهور إلي نحو مليون جنيه، حيث يتم تأجيره بالساعة، ففي الساعة الأولى يكون الإيجار بثلاثة جنيهات ثم اثنتن خلال الساعة الثانية؛ لأن الأرض المخصصة مملوكة للقوات المسلحة .